خطورة التحدّيات للدولة الوطنية أنها تتفاقم في ظل غياب شبه تام للمؤسسات الدستورية، وهشاشة مؤسسات المجتمع المدني، ووجود تيارات ممانعة مجتمعية، ناهيك عن أزمات اقتصادية كالفقر وضعف الموارد والإمكانيات والأمية والبطالة.. تساؤلات تدور في الذهن حول الأجواء الملبدة في عالمنا العربي، وكأنه مخاض لا يلبث أن نخرج منه بتأسيس جديد لمرحلة جديدة هي في طور التشكل، والتجاذب، تعكس مطالب الشعوب، ومواقفها إزاء المرحلة الراهنة، وخاصة في ظل عدم توفر إرادة سياسية جامعة ان أردنا الحقيقة. واضح أن قواعد اللعبة الدولية تغيرت، أو هي في طريقها إلى ذلك ما يعني أن ثمة تموضعا جديدا للسياسة الدولية في المنطقة. ولكي نمضي إلى المزيد من الشفافية، نشعر أن هناك قلقا واضحا حول المستقبل، لا سيما بعد تأزم العلاقات الأميركية الروسية. أضف إلى ذلك أن اختلال توازن القوى في المنطقة، واختلاف الأولويات للدول الإقليمية هي أيضا من أسباب التوتر. في حين أن النظام الدولي فهو ومنذ التسعينيات تتكرر استفهامات حوله، وما إذا كانت الزعامة في العالم وحيدة، أم أنها ثنائية، أم متعددة. المتابع يرى أننا نعيش حالة مخاض مع عودة أجواء الحرب الباردة بين واشنطن وروسيا رغم الود المعلن، ويخطئ من يجزم بمسار العلاقات الدولية في الوقت الحالي، لأننا نعيش حالة من التبلور، والتشكل، وعدم الثبات لتصاعد وتيرة الأحداث من جهة، وتزامنها مع بروز شخصيات وزعامات، وظهور إدارات جديدة في العالم ما يجعل التكهن صعبا بما سيحدث على وجه الدقة. العالم العربي بدأت معاناته ما بعد عام 1967، وخلال معظم النصف الثاني من القرن العشرين، ليدخل بعد ذلك في حالة تهلهل وتصدع بدليل تهاوي بعض الدول. لاحظ أن عشرين بالمئة من الدول العربية عاشت تجارب مريرة، وصُنفت بعضها بالدولة الفاشلة لعدم وجود مشروع المواطنة، بينما صعدت قوى غير نظامية مثل حزب الله وداعش وجماعة الحوثي. هشاشة الدولة من الداخل وافتقارها لإطار ينظم علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية ويحتوي صراعاتها الناشئة، ساهم في ما يسمى بانهيار النظام العربي الذي جاء عبر مراحل. العراقيل واضحة ضد أي تقدم نهضوي للمجتمعات، كالصراع المذهبي والطائفي اللذين استشريا في الجسد العربي، ما يعني انسداداً للأفق السياسي ويدفع باتجاه مسلسل الانفصال والتقسيم والتفتيت، ناهيك عن النزاعات الحزبية والفكرية اللتين اسستا مواطن الافتراق والاختلاف. مع أنه منذ بداية عصر النهضة، ومرورا بعصر التنوير، وإلى حاضرنا اليوم، ومن خلال رحلة طويلة وشاقة من البحث المعرفي/ النقدي، للفلاسفة الكبار توصلوا إلى قناعة أن التسامح المجتمعي بعلائقه المعرفية والواقعية، هو الخيار الأول والوحيد لقيمة الحياة. من التحديات التي تواجهها الدولة الوطنية في العالم العربي الزيادة المهولة في معدل النمو السكاني وتركيبته حيث يبلغ عدد سكان العالم العربي الآن حوالي 350 مليوناً نسمة، ومن المتوقع أن يتجاوز نصف مليار نسمة بحلول عام 2050، ما يعني ضغوطاً كبيرة على الموارد المحدودة، لا سيما وان ثلثي عدد السكان هم تحت سن الثلاثين، والتوقعات ترى ان العالم العربي سيبقى في نمو اقتصادي محدود، إلا أن المؤشرات تقول ان مستويات البطالة قد تبقى الأعلى في العالم. خطورة التحدّيات للدولة الوطنية أنها تتفاقم في ظل غياب شبه تام للمؤسسات الدستورية، وهشاشة مؤسسات المجتمع المدني، ووجود تيارات ممانعة مجتمعية، ناهيك عن أزمات اقتصادية كالفقر وضعف الموارد والإمكانيات والأمية والبطالة. من الطبيعي أن تكون قرارات العلاج صعبة. لن تجدي نفعا الحكومات التي تفشل في سياساتها العامة من إلقاء اللائمة على مشجب المؤامرة. العوائق التي كانت تحول بالأمس دون إرساء مشروعات الإصلاح في دولنا العربية لم تعد تجد اليوم ما يبررها. الخروج من هذا النفق يكون بمواجهة هذه التحديات عبر البدء بعملية الإصلاح السياسي والاقتصادي في العالم العربي، وهي عملية ضرورية لأن الأنماط السياسية الحالية السائدة في العالم العربي لم تعد تناسب المرحلة المعاصرة، لا سيما في مرحلة العولمة، ومرور العالم بمرحلة انتقالية جديدة ما زلنا نتابع مسار تشكلها باهتمام مدقع.