التحولات التي طرأت على عالمنا العربي تقودنا -شئنا أم أبينا -إلى المواجهة والمصارحة، ورغم أن زخمها يدفع الجميع باتجاه التعاطي معها، إلا أن المثير للدهشة أنها كشفت لنا عن أننا كعرب لا زلنا نعيش في دوامة الصراع حول قضايا الحداثة، وإشكالية الدولة المدنية والدينية كما شاهدنا في دول ما سمي بالربيع العربي ما بعد الثورة. على ان ثمة تحدّيا مهولا تواجهه الدولة الوطنية/القومية -سمها ما شئت- يتمثل في عدم او تأجيل الشروع في الإصلاحات السياسية والثقافية والاقتصادية، مع ان مواجهة هكذا معوقات تتحقق بإرادة سياسية قادرة على إحداث تغيير لا سيما في غياب المؤسسات الدستورية وضعف مؤسسات المجتمع المدني ووجود تيارات ممانعة للتحديث، وبات معلوما ان دولاً في عالمنا العربي تتعرض لضغوط داخلية وخارجية بإجراء إصلاحات واتخاذ قرارات جذرية لمواجهة التحديات. ثمة عوامل وازمات اقتصادية تواجهها الدول العربية كالفقر وضعف الموارد والإمكانات والأمية والبطالة وتفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء ما يتطلب اعادة النظر في العلاقة ما بين الدولة والمواطن فضلاً عن صياغة دساتير تحقق تطلعات الشعوب وتعزز تماسكها المجتمعي. ومن الطبيعي ان تكون هناك قرارات صعبة ولكن طالما ان المشاركة السياسية قد توفرت فإنها ستقلل من التذمر الشعبي لان النضج الديمقراطي يأتي تدريجيا مع الممارسة الديمقراطية، ومع ذلك لن تجدي نفعا الحكومات التي تفشل في سياساتها العامة من ترديد المسوغات المستهلكة، وإلقاء اللائمة على مشجب المؤامرة من أطراف داخلية او خارجية، وهو تبرير مكشوف وهزيل لم يعد ينطلي على أحد. وفي ظل هذا الاحتراب والنزاعات الحزبية والفكرية من الطبيعي ان يحدث الافتراق ما لم تؤسس فكرة المواطنة كونها تكرس التسامي فوق الاختلاف. ولذا لبّ المشكلة لا يكمن في المواطن العربي نفسه، بقدر ما أنه نتيجة لأسبابها، وبعبارة اخرى، ما هو الا ضحية للنسق الذي يُحكم به. هذه السلوكيات تكشف عن ان العلاقة ما بين الدولة والمجتمع يشوبها الكثير من الريبة والاحتقان ما يتولد عنهما فقدان الثقة ونتوءات عدم الاستقرار. ثمة عوامل وازمات اقتصادية تواجهها الدول العربية كالفقر وضعف الموارد والإمكانات والأمية والبطالة وتفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء ما يتطلب اعادة النظر في العلاقة ما بين الدولة والمواطن فضلاً عن صياغة دساتير تحقق تطلعات الشعوب وتعزز تماسكها المجتمعي ومن التحديات التي تواجهها الدولة الوطنية في العالم العربي أيضا الزيادة المأهولة في معدل النمو السكاني وتركيبته حيث يبلغ عدد سكان العالم العربي الآن حوالي 350 مليوناً، ومن المتوقع أن يتجاوز 500 مليون نسمة بحلول عام 2050، ما يعني ضغوطا كبيرة على الموارد المحدودة وهؤلاء يمثلون قنابل موقوتة وجاهزون لسلوكيات التأجيج والاضطرابات عندما لا تتحقق مطالبهم لا سيما وان ثلثي عدد السكان هم تحت سن الثلاثين. تحد آخر يتمثل في مستقبل النفط وما أدراك ما النفط. وهو المؤثر بشكل كلّي في الاقتصاد والتوازنات في المنطقة. هذه السلعة التي تعتمد عليها منظومة التنمية في دول عديدة بل والمصدر الرئيسي للدخل، فهل تشهد نهايتها خلال هذا القرن؟ وما هي الحلول لمواجهة انخفاض أسعاره؟ والسؤال الأهم هل اعدت تلك الدول العدة لمواجهة نضوب احتياطياتها في عقود قريبة لا سيما مع تطور التقنية في استخراج النفط الصخري واختراقات متوقعة في انتاج الطاقات البديلة مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح؟ والسؤال الكبير كيف سنتعاطى مع مواردنا النفطية في السنوات المقبلة؟ تساؤلات مشروعة تبحث عن إجابات. لقد بدأ تهلهل النظام العربي خلال معظم النصف الثاني من القرن العشرين. وبات النظام الإقليمي متصدعا. عشرون في المئة من الدول العربية عاشت تجارب مريرة وصنفت بعضها بالدولة الفاشلة لعدم وجود مشروع المواطنة، بينما صعدت قوى غير نظامية مثل حزب الله وداعش وجماعة الحوثي، ما يكشف عن هشاشة تلك الدول من الداخل وافتقارها لإطار ينظم علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية ويحتوي الصراعات الناشئة ويدير ازماتها المحتملة. هذه الأجواء في تفاعلات الخارطة السياسية للعالم العربي من انسداد للأفق السياسي كفيلة بان تدفع باتجاه مسلسل الانفصال والتقسيم، فبعد انفصال السودان كسابقة لافتة في تاريخنا المعاصر، لم تلبث حمم التشظي ان وصلت إلى تضاريس العراق واليمن وليبيا وسورية. غير ان القلق المتنامي يدور حول اشكالية قد تعرقل أي تقدم نهضوي للمجتمعات العربية تتمثل في الصراع المذهبي والطائفي اللذين استشريا في الجسد العربي، وتاريخيا نجد ملف الأقباط في مصر والتوتر السني العلوي الكردي في سورية، والاحتدام السني -الشيعي في العراق ولبنان وغيرها والصراعات القبلية المذهبية في اليمن وخلافات الاسلاميين مع بقية قوى المجتمع في ليبيا وتونس ومصر، وكلها مؤشرات على انقسامات عرقية ودينية ما يعيق التحول الديمقراطي. ناهيك عن إقليم كردستان الذي يطالب بحقِّ تقرير المصير لأكراد العراق، كما ان الصحراء الغربية لم يحسم مآلها بعد، ومطالبة الحراك الجنوبي بانفصال جنوب اليمن عن شماله، أما الصومال البالغ الأهمية، من حيث الموقع الجغرافي والاستراتيجي، فإن الصراعات التي تقاذفته منذ أكثر من عقدين، تهدده الآن بتقسيم مهول. صفوة القول صحيح اننا لا نملك بلورة سحرية للتنبؤ بما يحدث في المقبل من الأيام، كون معرفة الغيب بيد الخالق عز وجل، ولكن ما نطرحه هو قراءة ضمن قراءات وبالتالي نحن أمام حالة اجتماعية تقول بأن جذر المشكلة يتعلق بأمرين: ضعف المشروع التنموي بكافة تجلياته، وعدم تأسيس دولة المواطنة، وهما ما جعل هذه المشاكل تطفو على السطح، وهي متصورة إن ارتهنا للواقع نقلا عن الرياض