يتزايد غسل الأموال عالميا أثناء الأزمات السياسية أو الاقتصادية عبر استغلال الثغرات القانونية وتفاوت فعالية الأدوات الرقابية، أو عدم انسجام منظومة عملها واستغلالها لتمويه أو إخفاء الأموال الملوثة؛ حيث لازال عدد كثير من الدول تولي جل اهتمامها في المكافحة بالتركيز على محاور منتقاه، مثل: الجناة، أو الجريمة الأصلية كمصدر للأموال غير المشروعة، أو الإنفاق ماليا بسخاء على أنظمة مراقبة وتدقيق العمليات المالية، أو مصادر المعلومات الاستخباراتية، أو وسائل منع خلط الأموال غير المشروعة بغيرها؛ لذا وخلافا للاعتقاد السائد بالتطور النوعي في أساليب مكافحة غسل الأموال، تُظهر بعض التقارير العالمية إلى أن أقل من ما نسبته (1%) من الأموال غير المشروعة يتم مصادرتها من قبل سلطات المكافحة؛ وبالتالي يبرز التساؤل عن سبب الضعف في أدوات المكافحة فنيا؟! وهنا يبرز دور العنصر البشري وأهمية الاستثمار فيه باعتباره حجر الزاوية في ترجمة مفردات منظومة المكافحة باختلاف وتنوع مستوياتها، والحاجة للرفع من كفاءة تأهيله للمستجدات في عالم جرائم غسل الأموال، وبنفس القدر تعزيز مقومات انتمائه المؤسساتي معنويا وقيم نزاهته الذاتية مهنيا؛ ولتفصيل ذلك نستشهد بما نشر مؤخرا في صحفنا المحلية عن إجراءات التحقيق والمحاكمة في أكبر قضيتي غسل للأموال يشهدها الوطن، حيث شكل مجموع قيمة المبالغ المراد غسلها في كلا القضيتين ما يزيد على (50) ملياراً، وقسمت مراحل تنفيذ أعمال مراحل الجريمتين على ما يقارب (50) شخصاً من جنسيات مختلفة؛ وتأسيساً على ما نشر عن كلا القضيتين من تفصيلات، قد يلحظ المهتم بأن القاسم المشترك بينها ليس تنظيم التشكيل العصابي المتنوع المشارب، أو استغلال منظومة تحويل الأموال للخارج فحسب، وإنما هو تواطؤ عدد من موظفي البنوك مع كلا العصابتين ومشاركتهم بمقابل لتمرير تحويل الأموال بالمخالفة للمعايير الرقابية والمقتضيات القانونية. ومع ذلك نقول تبقى المملكة من أوائل الدول التي سارعت إلى اتخاذ خطوات تشريعية وأمنية وقضائية في مكافحة غسل الأموال وجهودها في ذلك يشار لها بالبنان، ويؤكد تميزها تقارير وتقييم المنظمات الدولية المختصة؛ لكن ذلك لا يمنع من القول بأن العنصر البشري وما يتميز به من مقومات تستلزمها المكافحة الفعالة يبقى تحديا حقيقيا لنا ولغيرنا؛ وكذلك تبقى الحاجة قائمة لدفع الجهات الرقابية للقيام بدورها فيما أوكل لها مهام، لضبط ما يتم تدويره في بعض النشاطات التجارية الجاذبة للتعامل (بالكاش) من أموال لا يعرف لها مصدر، بجانب تحريك ما أصاب آلية مراقبة حركة انتقال المبالغ النقدية، وما شابهها عبر المنافذ الدولية من تراخٍ في أدوات عملها.