(جدة) شارك من خلال تويتر فيسبوك جوجل بلس اكتب رأيك حفظ دق اقتصاديون وعقاريون، ناقوس الخطر جراء تفاقم جريمة غسل الأموال، واتخاذ العقارات والأراضي وسيلة لتحويل هذه الأموال التي تم الحصول عليها من نشاطات غير مشروعة إلى أموال نظيفة، وإضفاء الصفة الشرعية عليها من خلال شراء أراض وعقارت بأضعاف أثمانها الحقيقية، فيما أكدت وزارة العدل على لسان وزيرها الدكتور محمد العيسى، أن وزارته كشفت عدة صفقات عقارية وهمية بمبالغ ضخمة جدا، وبفارق غير مقبول ولا معقول، وأن تلك الصفقات تضاعفت إلى 30 مرة عن سعرها العادل في مدة قصيرة للغاية، مرجحا أن تحمل تلك الصفقات صبغة غسل الأموال، مشيرا إلى أن الجهات الأمنية المختصة بدأت في اتخاذ اللازم حيال هذا التلاعب. يأتي ذلك وسط الكشف عن 1623 عملية غسل أموال خلال الخمس سنوات الماضية؛ الأمر الذي أدى إلى ارتفاع واضح في معدلات نمو عرض النقود، بمعدل نمو متوسط سنوي بلغ 15.5 في المئة خلال الفترة من 2001 إلى 2012، فيما أشارت التقديرات إلى أن حجم الاقتصاد الخفي في المملكة - الذي يمثل غسل الأموال أحد مكوناته الرئيسة - بلغ 249.992 مليار ريال، بينما أكد عقاريون ومختصون، أن البيوعات الوهمية في سوق العقارات والأراضي كثرت في الفترة الأخيرة، إذ أن الكثير من المواطنين لجأوا إلى مثل هذه البيوع لتضخيم الأصول، والإيهام بوجود حركة شرائية في السوق؛ ما أدى إلى خلق ما يسمى بظاهرة «المضاربات العقارية». ويوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، والمستشار السابق لغرفة جدة الأستاذ الدكتور خالد البسام، أن غسل الأموال عملية يتم من خلالها تحويل الأموال غير المشروعة التي تم الحصول عليها من نشاطات غير مشروعة مثل تجارة المحرمات، الممنوعات، الكسب غير المشروع، بمختلف أشكاله، الغش، التزوير، وغيرها من الأنشطة، وتحويلها من خلال سلسلة من العمليات إلى أموال مشروعة ونظيفة، مشيرا إلى أنه وباختصار تهدف جريمة غسل الأموال إلى إعطاء الأموال غير المشروعة الصفة الشرعية، لافتا إلى أن جرائم غسل الأموال من أكثر نشاطات الاقتصاد الخفي في المملكة؛ لذلك تبذل الحكومة جهودا مضنية لمكافحة هذا النوع من الجرائم إدراكا منها لخطورتها وآثارها السلبية على الاستقرار الاقتصادي والأمني، مبينا أنه على الرغم من ذلك تشهد المملكة تزايدا ملحوظا في عمليات غسل الأموال، حيث تم ضبط 1623 عملية غسل أموال خلال الخمس سنوات الماضية، أي بمعدل 326 عملية تم ضبطها سنويا، كما كشفت مديرية مكافحة المخدرات شعبة غسل الأموال عن ارتفاع عدد قضايا غسل الأموال من 251 قضية إلى 265 قضية خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ويضيف البسام قائلا: «تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن هناك زيادة سنوية في عدد البلاغات المقدمة لوحدة التحريات المالية، ففي عام 2009 بلغت القضايا المحالة لجهات التحقيق 762 قضية، بينما بلغت 562 قضية في 2010، كما واصلت القضايا المحالة لجهات التحقيق الانخفاض، حيث بلغت 554 قضية في عام 2011». ويكشف البسام، أن لعمليات غسيل الأموال آثارا سلبية على الاقتصاد والاستقرار، إذ أن ارتفاعها يؤدي إلى ارتفاعات غير محسوبة في معدلات نمو عرض النقود بمعنى أن هذه الارتفاعات في معدلات نمو عرض النقود ليس نتيجة للتغيرات في السياسة النقدية أو المالية أو في كليهما، ولا بسبب عوامل داخلية لعرض النقود كالتغيرات السلوكية في مكونات مضاعف عرض النقود، منوها أنه على ضوء ما تقدم يمكن القول إن تزايد عمليات غسل الأموال الذي تشهده المملكة منذ بداية العقد الماضي أحد الأسباب الرئيسة للارتفاع الواضح في معدلات نمو عرض النقود، إذ حقق عرض النقود بتعريفه الضيق معدل نمو متوسط سنوي بلغ 15.5 في المئة خلال الفترة من 2001 إلى 2012، وفقا للنظرية النقدية الكلاسيكية، وأن زيادة معدلات عرض النقود يقود إلى ارتفاع في معدلات التضخم في المملكة بناء على قوة العلاقة بين عرض النقود والتضخم، لذلك فإن تزايد عمليات غسل الأموال الذي تشهده المملكة من العوامل المباشرة، التي أدت إلى ارتفاعات واضحة في معدلات التضخم، وهذا الوضع نجم عنه حالة من عدم استقرار نقدي منذ بداية العقد الماضي؛ ما قد يترتب عليه عدم استقرار اقتصادي، وأخيرا فإن عمليات غسل الأموال تؤثر تأثيرا مباشرا على الاستقرار الأمني، حيث إن جزءا من هذه الأموال قد يستخدم في تمويل العمليات الإرهابية والتنظيمات وجماعات العنف المتطرفة. وتم تقدير حجم الاقتصاد الخفي في المملكة خلال الفترة من 1990 - 2011 باستخدام نموذج الطلب، من خلال دراسة الدكتور البسام إلى أن التقديرات أشارت إلى أن حجم الاقتصاد الخفي في المملكة في هذه الفترة بلغ 249.992 مليار ريال، فيما بلغ المتوسط السنوي لنسبة الاقتصاد الخفي إلى الناتج المحلي غير النفطي خلال نفس الفترة ما نسبته 5.25 في المئة، بينما كان معدل المتوسط السنوي لنسبة حجم الاقتصاد الخفي إلى الناتج الإجمالي غير النفطي خلال الفترة 2000 - 2011 ما نسبته 26 في المئة، كما وصل معدل متوسط النمو السنوي لنسبة حجم الاقتصاد الخفي خلال الفترة من 2000 - 2011 إلى ما نسبته 10.36 في المئة. البالون العقاري وأوضح عضو الغرفة التجارية الصناعية بالمدينة المنورة عبدالغني الأنصاري، أن قطاع العقارات والأراضي شهد تضخما غير معقول؛ ما يشير إلى وجود شبهات لعمليات غسل أموال، واصفا الزيادات الكبيرة في السوق ب «البالون العقاري»، الذي لابد أن ينفجر، مؤكدا أن السيولة الضخمة التي نجمت عن وجود فوائض مالية لم تجد لها منافذ أوقنوات إلا من خلال شراء عقارات وأراض بأضعاف قيمتها الحقيقية، موضحا أن هنالك بعض غاسلي الأموال يشترون عقارات ب ملياري ريال، في حين أن سعرها الحقيقي لا يتجاوز العشرين مليون ريال؛ نظير أن يتم إدخال هذه الأموال إلى السوق؛ الأمر الذي أدى إلى هذا التضخم الحاصل في السوق العقاري المحلي أو في الدول المجاورة. وقال الأنصاري: «تجارة العقارات أصبحت تجارة احتكارية لا تصنع وظائف، ولا يستفيد من ورائها إلا صاحب المال، فالأراضي والعقارت باتت أكذوبة كبيرة، إذ أن العديد من البنوك دخلت المعترك، فاشترت عقارات وأراضي؛ ما زاد الأمر تعقيدا، وانعكس على مخصصات المنح التي تباع الآن بأكثر من مليون ريال، في حين أن سعرها قبل خمس سنوات كان يتراوح بين 40 - 50 ألف ريال، على الرغم من عدم وجود خدمات أو مرافق في هذه المخططات يترتب عليه هذا التفاوت الرهيب، فماذا حدث لهذ الأراضي كي تتضخم أثمانها بهذ الصورة، وأين دور الرقابة على هذه الأموال ودخولها إلى الأسواق، وأين دور الجمعيات التعاونية للإسكان». ويرى الأنصاري، أن الحل يتمثل في أن تقوم الجهات المعنية بطرح المزيد من الأراضي البيضاء، وزيادة عدد المعروض منها، إلى جانب طرح مخططات للطبقة المتوسطة، التي يضيع الجزء الأكبر من دخلها لبند السكن، إضافة إلى استحداث نظام الإيجار المنتهي بالتمليك للوحدات السكنية، كما أن القطاع الخاص بالتوازي مع المجتمع المدني مسؤول عن توحيد جهودهما مع الدولة، حتى يتم تفجير البالون العقاري». المضاربات العقارية وفي الوقت الذي يرجع فيه خبراء ومتخصصون تضخم أسعار العقارات إلى شبهات غسل أموال يعزو اقتصاديون آخرون هذا التضخم إلى وجود صفقات وهمية غير واقعية لا تتفق مع حجم العرض والطلب؛ لتضخيم الأصول، والإيهام بوجود حركة شرائية في السوق، وخلق مايسمى بظاهرة «المضاربات العقارية». يبين أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور حبيب الله تركستاني، أنه لا يوجد شك أن الصفقات الوهمية الناجمة عن عمليات غسل الأموال، أدت إلى زيادة غير واقعية في قطاع العقارات والأراضي، مشيرا إلى أن ذلك أدى إلى غلاء الأسعار على المواطنين، خاصة فئة محدودي الدخل، على خلاف ما تتحصل عليه هذه الفئة من أجور ومرتبات. وقال تركستاني: «المشتري العادي للعقار أو الأراضي أصبح مضللا، في ضوء وجود حالة من الضبابية يشهدها السوق العقاري، لا تتفق مع حجم العرض والطلب، وسط أرقام فلكية دفعت المستثمرين للإحجام عن الاستثمار في القطاع». ويشير رئيس لجنة التثمين العقاري في الغرفة التجارية بمحافظة جدة عبدالله الأحمري، إلى أن البيوعات الوهمية في سوق العقارات والأراضي كثرت في الفترة الأخيرة، إذ أن الكثير من المواطنين لجأوا إلى مثل هذه البيوع لتضخيم الأصول، والإيهام بوجود حركة شرائية في السوق. وأضاف قائلا: «منذ أزمة انهيار الأسهم في العام 2006م شهد السوق ظاهرة ما يسمى ب «المضاربات العقارية»، حيث إن الثقافة الاستثمارية للمواطن لا تؤهله إلا بالاستثمار في مجالي الأسهم والعقارات، كما أن كثيرا من البنوك قامت بتسييل المحافظ المالية لديها كقروض لأصحاب الدخول المتدنية، ونجم عن ذلك أن شهد سوق العقارات والأراضي تطابقا لما حدث في سوق الأسهم منذ ثمان سنوات، كما أن الدورة العقارية هذه المرة استحوذت على أكبر من حجمها سواء من ناحية المدة الزمنية أو الأسعار، حتى انتشر البيع خارج النطاق العمراني لأراضي لا يوجد بها خدمات أو مرافق». أمريكا على رأس القائمة ولا شك أن غسل الأموال ليس ظاهرة مقتصرة على المملكة وحدها، وإنما تعاني منها اقتصادات الدول الكبرى والصغرى أيضا، إذ يعتبر التهرب الضريبي وغسل الأموال، تجارة المحرمات، الممنوعات من أهم مكونات الاقتصاد الخفي في العديد من الدول المتقدمة. وبحسب تقرير لصندوق النقد الدولي متعلق بعمليات غسل الأموال صدر في العام 2008 فإن حجم عمليات غسل الأموال يتراوح مابين 2-5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهذه النسبة تتراوح مابين 550 - 1200 مليار دولار، فيما تقدر عمليات غسل الأموال في أستراليا من 4 - 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي ألمانيا يصعب تحديد حجم الدخل المتولد عن هذه العمليات واتجاهاته، ورغم تلك الصعوبات هناك تقديرات مختلفة لحجم عمليات غسل الأموال التي تمثل النسبة الكبرى من الاقتصاد الخفي في هذه الدول، تتأرجح بين 2 - 11 في المئة، وفي إيطاليا من 10 - 23 في المئة، وفي اليابان من 4 - 15 في المئة، وفي إنجلترا من 1 - 15 في المئة وفي الولاياتالمتحدة من 4 - 33 في المئة، كما تكشف الإحصاءات أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم من حيث الأموال غير المشروعة، إذ تقدر كمية هذه الأموال في أمريكا عام 2008 بنحو 479 مليار دولار، وأن الأموال التي تم إجراء غسلها من هذا الرقم بلغت نحو 287 مليار دولار. وبالنسبة للبلدان النامية فالحال ليس بأفضل من بلدان العالم الأول، فقد تزيد عمليات غسل الأموال على نصف ربع الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول، حيث يساعد على ذلك أن نسبة كبيرة من معاملات الأفراد في تلك الدول تتم بصورة نقدية؛ بسبب قلة حجم التعامل مع الجهاز المصرفي بالمقارنة مع الدول المتقدمة، حيث يرتفع الوعي المصرفي لارتباط معظم العمليات بالمصارف. الغسل الإلكتروني هو عملية يتم من خلالها استخدام نظم نقدية ومالية ذات تقنية متطورة، وإضفاء صفة المشروعية على تلك الأموال المتأتية من مصدر غير مشروع بواسطة الإنترنت، ويمر الغسل الإلكتروني بعدة مراحل، فإذا كانت المرحلة الأولى لغسل الأموال التقليدي تعد من أصعب المراحل لغاسلي الأموال؛ خوفا من افتضاح أمرهم، فإن الأمر يختلف في غسل الأموال الإلكتروني، فمع وجود النقد الإلكتروني الذي يتسم بالسرية نتيجة لخاصية التشفير يسهل تخطي عقبة افتضاح الأمر، ففيه يتم شراء النقد الإلكتروني من مؤسسة مالية غير مصرفية غالبا لا تخضع للرقابة، بسهولة تامة بواسطة البطاقة الذكية أو الكمبيوتر الشخصي كوسيلة لتداول تلك الأموال الإلكترونية لشراء سلع أو خدمات...إلخ. وفي المرحلة الأخيرة التي تهدف لإضفاء صفة المشروعية على الأموال قذرة المصدر، يقوم غاسل الأموال بالعديد من العمليات من خلال الكمبيوتر الشخصي دون الحاجة لطرف ثالث «وسيط». وتتعدد أساليب وأدوات غسل الأموال الإلكتروني، التي يمكن استعمالها دون الحاجة لتدخل طرف ثالث، إذ أن هناك العديد من الوسائط الإلكترونية التي يمكن استغلالها سلبيا في تطهير الأموال القذرة، منها النقد الإلكتروني، البطاقات الذكية، بنوك الإنترنت، المقامرة عبر الإنترنت، المعادن الرقمية الثمينة. ويمكن القضاء على ظاهرة غسل الأموال بشقيها التقليدي والإلكتروني من خلال تسهيل الإجراءات الإدارية، التنظيمية، والقضائية في مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية؛ ما يحد من الحيل والسبل الكفيلة لتجاوزها، الحد من تفشي ظاهرة الفساد الإداري، ووضع سياسات فعالة لخفض معدلات الفقر والبطالة، ومراقبة أنشطة الاقتصاد الخفي وتفعيل دور الأجهزة الرقابية المختصة، ورفع الأجور والرواتب المتدنية وتطوير نظام الحوافز والترقيات.