د. جمعان محمد الشهري الصراعُ بينَ الحقِّ والباطلِ منْ سُننِ اللهِ تعالى في الكونِ، والمتأملُ لهذا الصراعِ، لا سيّما في هذه الحقبةِ؛ يجدُ أنّه مُحتدِمًا غايةَ الاحتدامِ. فهذا الفكرُ الغربيُّ بحمولتِهِ الثقافيةِ وطابَعِها المناوئُ لقيمِ الإسلامِ الخالدةِ لا يزالُ يخلقُ خُططًا ينْفذُ من خلالِها إلى قيمِ الإسلامِ المُتجذّرةِ في قلوبِ أصحابِها. ومن تلكُمْ الطرقِ التي يسلكها الغربُ؛ العَوْلَمَةُ، وهي تيارٌ تجاوز الحدودَ الجغرافيةَ بُغيةَ تنميطِ الشعوبِ على ثقافةٍ واحديةِ المبدأ تعملُ في اتجاهين: اتجاهٍ يزيحُ النُظمَ القيميّةَ لأيّ مجتمعٍ آخرَ، لا سيّما نُظمُ الإسلامِ وأصولِه. واتجاهٍ يملأ تلك الخِلالِ بالوافدِ الجديدِ واحديِّ النظرةِ في نمطِه الغربيِّ. وقد أشارَ إلى ذلك الخطرِ الداهمِ نخبةٌ من المفكرين الكبارِ والمتمرّسين الأخيارِ في هذا النوعِ من الثقافةِ؛ أشاروا إلى أنّ العولمةَ تسعى إلى تحويلِ العالمِ إلى عالمٍ واحدٍ يحملُ منظومةً أخلاقيّةً مصنوعةً من قِبل أساطينِ الغربِ وخفافيشِ الشرقِ لا تنتظمُ وتعاليمَ الدينِ الحنيفِ البتةَ. وقد جعلوا تحقيقَ الهدفِ المنشودِ يَعبرُ من خلالِ ركيزتينِ رئيستينِ لا يستغني عنها العالمُ بأسرهِ في الوقتِ المعاصرِ؛ ألا وهما: ركيزةُ الإقتصادِ، وركيزةُ الاتصالِ، فهما مِعولا السيطرةِ على العالمِ الآخرِ ومَعْبرا التمريرِ لتلكمُ الثقافةِ الغربيّةِ. *أليسَ المدُّ العولميُّ قد ظهرَ في أوساطِ الشبابِ اليافعينَ واقتحمَ أسوارَ المدنِ والقرى والهِجر؟- لا شك أنَّ الأمرَ قد تبدَّى للناظرين، فها هي السلوكياتُ الإنسانيّةُ والمتمثلةُ في العلاقاتِ الأسريّةِ وطرائقِ العيشِ من المأكلِ والمشربِ والملبسِ؛ تشهدُ على هذا التأثرِ. وليس حدُّ المدِّ العولميِّ أنْ يقفَ على المظهرِ فحسبُ، بل هو يسعى إلى تغيير فلسفةِ الوجودِ في أبعادِها الثلاثةِ (الإنسان، الكون، الخالق). فإذا كانت هذه الفلسفةُ الإسلاميةُ للوجودِ مبنيّة على مقتضى الوحي المنزّلِ من الحقِّ سبحانه؛ لترسيخِ عقيدةِ المسلمِ على منابعَ صافيةٍ وأصولٍ عظيمةٍ بحيثُ يعتزُ المسلمِ بهذه العقيدةِ ويقاتلُ من أجلِها؛ فإنّها وهي على تلك المثابةِ، وبكل ما تحمله من مضامينَ، هي الغايةُ المرادةُ من قِبل الفكرِ الغربيّ؛ كي يزلزلَ جذورَها وينقضَ أُسسَها، يصوغها صياغة جديدة تحقق له أهدافه من منظوره الغربي. أقولُ: الأمرُ في غاية الخطورةِ، ذلك أنّ الحسَّ، أيًّا كان ظاهريًّا أو وجدانيًّا، يقبلُ التَّشرُّب لهذه الثقافةِ مع طوِل الأَمدِ؛ مما يؤدي إلى قلةِ القناعةِ الذاتيةِ بموروثِه الثقافيِّ، وشيئًا فشيئًا حتى يصلَ إلى تفريغِ القيمِ الموروثةِ واكتنازِ الثقافةِ الوافدةِ.