بعلامة استفهام كبيرة، ومثيرة للجدل أيضاً، جاءت محاضرة الدكتور إحسان بوحليقة التي ألقاها في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بعنوان يرتدي عباءة السؤال، حيث كان عنوان المحاضرة " العولمة: شراكة أم استعمار جديد" ومن هذا السؤال العنوان تفرعت عشرات الأسئلة الأخرى التي حاولت كشف ملامح العولمة، لكن من زاويتها الاقتصادية بحكم اختصاص المحاضر، وربما هذا ما أثار شكلاً من أشكال الاختلاف بين المحاضر وعدد من الحضور الذين رصدوا العولمة من زوايا أخرى ثقافية وفلسفية ودينية أيضاً. يقول الدكتور بوحليقة: لعل من المناسب البدء بالقول أن العولمة تعني في الأساس الانفتاح على الآخر انفتاحاً شفافاً، وعند تطبيق هذا الفهم نجد أن اعتبار العولمة عميلاً للرأسمالية الأمريكية هي تهمة في غير محلها، فالولاياتالمتحدة وتحت الإدارة الحالية على وجه الخصوص، تعاني تميزا وترددا وانسحابا، فهي متميزة تميزاً مرضياً لإسرائيل، ومترددة في سياستها الأوروبية، ومع حوض المحيط الهادئ ومنسحبة من اتفاقات التسلح التي ساعدت في إنهاء حقبة الحرب الباردة، ومنسحبة حتى من اتفاقات كيوتو للبيئة، وفارضة لتعرفة جمركية حمائية على الواردات من الصلب، فأين حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية من العولمة، ومن الفكر العولمي؟ هكذا.. قدم الدكتور بوحليقة العديد من الدلائل التي أراد من خلالها أن يثبت وجود مغالطة في عملية الوعي بحقيقة العولمة، وهو بتلك الدلائل يسعى لنفي الفكرة التي ترى أن العولمة تعني أمريكا،وأن أمريكا تعني العولمة، وكلاهما وجه لعملة واحدة، فالدكتور بوحليقة يعتبر أن إلصاق العولمة بالرأسمالية الأمريكية "تهمة في غير محلها". دور التقنية وفيما يتصل بالعولمة كمصطلح، يرى الدكتور بوحليقة أن "العولمة" في تعريفها الاصطلاحي آلية لزيادة التواصل والاعتماد المتبادل بين أسواق العالم، لقد تعزز أداء هذه الآلية على وجه الخصوص خلال العقدين الماضيين نتيجة التقدم التقني الذي سهل انتقال الأفراد واتصالهم ودفع بتوسيع ممارسة الأعمال دولياً، ولذا فإن التقدم في تقنيات الاتصالات والإنترنت له دور أساسي في تقوية دور العولمة. أما عن مناهضي العولمة فيرى د. بوحليقة أنهم يتخوفون من أن العديد من الدول الفقيرة لن تتمكن من الأداء تحت ضغوط المنافسة المتزايدة الناتجة عن جعل تلك الدولة الفقيرة أكثر انفتاحاً على بقية دول العالم، ومن مناهضيها في الغرب من تتعارض مع مصالحهم. ويضيف د. بوحليقة قائلا : العولمة للبعض منا وافد جديد من الغرب يتربض بنا، وكفى ذلك سببا لمعاداتها، وللبعض هي نائب فاعل لموجة (الأمريكانا) التي تجتاج العالم، وعلى النقيض جاءت مجموعة من النخب المتنوعة صورت العولمة على أنها حركة تهدف لإلحاق الضرر بالاقتصادات النامية وبحضاراتها وموروثها وزلزلة مجتمعاتها من الجذور . بل هنا من يبدو وكأنه يعاضد مطالبات عمال الدول المتقدمة في (سياتل وجنوة) ضد العولمة وهي مطالب مشبوهة ومن وجهة نظر الدول النامية، ومن وجهة نظر الدول المستوردة للعمالة، فبعض منظمات العمال في الدول المتقدمة اقتصاديا تحارب دخول بضائع الدول النامية . العولمة .. والموارد البشرية وحول إشكالية تفريغ العالم، وخصوصا العالم الثالث من موارده البشرية، يرى الدكتور إحسان بوحليقة أنه من المفيد التفريق بين العولمة والمحاولات الغربية لسلب العالم موارده الخام والبشرية، فإذا كانت الدول اختطفت البشر حقيقة لا مجازاً لقرون، وجعلتهم عبيداً يقدمون الطاقة العضلية، فهي الآن تختطفهم ليقدموا ما لديهم رخيصا في بلدان تسعى لاحتكار الرفاه والتقدم، فأين أمثال هذه الدول من العولمة والانفتاح ؟ ويتساءل د. بوحليقة: ما ذنب العولمة كآلية للانفتاح إذا كانت مواقف الحكومة الأمريكية السياسية تعاني انغلاقا وضيق أفق يقوم على محاباة ومساندة وجهة النظر الإسرائيلية وأن الاتحاد الأوروبي يمارس تميزاً في وضح النهار ضد منتجاتنا وأوضح بوحليقة ان العولمة ليست غطاءً للاقتصادات المتقدمة، فتلك الاقتصادات تحركها مصالحها الضيقة وهي بذلك ترتعد خوفا من خروج (المارد) من جوف الاقتصادات المستغلة ولا أقول النامية أو المتخلفة، وينقض على الاحتكار والاكتناز والتقتير الذي تمارسه تلك الدول لتبدو وكأنها تحابي الفقر والجهل والمرض في العالم من حولها . بين العرب والعولمة لقد طرح الدكتور إحسان بوحليقة محوراً مهماً يتصل بالعالم العربي في مقابل طوفان العولمة الجارف، وقد عاد بالجذور التاريخية لهذا التداعي في علاقته بالعالم العربي، وقال: في تاريخنا الحديث، اكتشف الاقتصاديون العرب أهمية تأمين موقع ميزا عالميا، فنادوا منذ الأربعينات الميلادية بجسد اقتصادي عربي واحد، يحقق ميزة في بحر حركة المصالح الكبيرة، وتضيع فيه المصالح الصغيرة، لكن المشروع مسخ حتى أصبح بعد خمسين عاما منطقة تجارية حرة عربية، ولم يبخل جيل الأساتذة من الاقتصاديين العرب في نصح أمتهم والتنظير لمستقبلها الاقتصادي تنظيرا محكما، لكن التسويف كان ولا يزال هو الرد عبر نص قرن من الزمن ، فضاعت من بين أيدينا فرصة تشييد "اقتصاد عربي ضخم" وعلى النقيض من ذلك هانحن نقف بتذمر في عصر العولمة، العصر المفترض لانفتاح الأسواق أمام كل قادر على الإنتاج والتصدير، في حين أننا قادرون على إحداث تأثير اقتصادي على مستوى العالم. في إشارة إلى الطاقات والموارد الهائلة التي تملكها الأمة العربية.