في مرور السيارة الخاطف بالمنطقة العاشرة بباريس لمحت ذلك المبنى العريق وعلى بوابته ذلك الإعلان "جمعية حماية الحيوان". وعلى جدران محطات قطار الأنفاق تفاجئك الإعلانات التي تستجديك أن تتبنى حيواناً من الجمعيات المختصة، صيغة الإعلان تستوقفنا بالمفارقة التي تحملها، تناشدك، "خفف من وحدة هؤلاء اليتامى وآلامهم، أمنحهم الحب والمأوى، أنهم بانتظار لمحة عطف منك." وللوهلة الأولى يخيل إليك أنها دعوة لإنقاذ المهاجرين أو اليتامى من البشر. لكن صور حيوانات الإعلان التي ترمقك بعيونها الدامعة تردك لصوابك. صديقتنا الفنانة الفرنسية بالكاد تكسب مايسد رمقها اتصلت تعتذر عن موعدنا على الغداء،"آسفة، قطتي ليست على مايرام، تهمش وجهها ومضطربة، سآخذها للطبيب فوراً." اتضح أن القطة تعاني من حساسية وأعطاها الطبيب حقنة، ودفعت صديقتي مبلغ 90 يورو، ولن تسترد منها قرشاً لأن الحيوانات وللأسف ليست مشمولة في الضمان الاجتماعي والذي يرجع للمريض المبالغ التي دفعها في أي علاج يخضع له. "أطباء الحيوانات يقاضوننا مبالغ باهظة أكثر من الأطباء المتخصصين بالبشر." وتزيد الصديقة دهشتنا مكملة. " أشعر بالذنب فلقد أطعمتها الرقائق الرخيصة من السوبر ماركت، كان يجب أن أوفر الرقائق الغذائية الحيوية." صديقنا المصور تكرس لرعاية كلبه المصاب بالسرطان في آخر أيامه، يمارس معه تفهماً وحناناً لا يحظى به الأطفال من آبائهم، لم يضن عليه بأنواع العلاج المتطور وجلسات العلاج النفسي وجرعات المهدئات، ومع تطور المرض وحين اشتدت بالكلب الآلام صار يصطحبه للتلال، يسرحه هناك يتنشق الهواء النقي ويتطبب بأرواح النبات البري. في ساعته الأخيرة جاء الكلب أسجى رأسه بين ركبتي المصور ولفظ أنفاسه بسلام. صديقتنا الروحانية تجزم بأن القطط قد أوحت للبشر باستضافتها في البيوت لأن الحياة في العراء لم تعد تناسبها، وتضيف، "هذا من حسن حظ البشر أن يحظوا بهؤلاء القرناء الروحيين." علاقة الرحمة المفرطة بين البشر والحيوان في هذه البلاد تثير في نفوسنا الحسرة نحن أبناء العالم الثالث، وربما تمنى البعض لو ولدوا قططاً أو كلاباً بالغرب.