محاولة استهداف جماعة الحوثي لمكةالمكرمة بصاروخ باليستي تم إسقاطه قبل 65 كلم من البيت الحرام؛ هو استهداف لكل مسلم، وتجاوز خطير على مقدسات المسلمين، وإعلان صريح على المواجهة ليس مع المملكة، أو قوات التحالف، وإنما مع كل الدول الإسلامية التي سارعت بالتنديد والاستنكار لهذا الفعل الاستفزازي. الحوثيون حاولوا كثيراً ولا زالوا في تحقيق مكاسب على أراضي المملكة، وتم اعتراض عشرات الصواريخ على جازان، ونجران، وخميس مشيط، والطائف، ولكن الصاروخ الموجه إلى مكةالمكرمة مختلف؛ ليس في تحقيق مكسب عسكري، أو استعراض للقوة، أو الضغط السياسي في سير المفاوضات المتعثّرة، وإنما هو مع كل ذلك محاولة إحراج المملكة في مدى قدرتها على حماية مقدسات المسلمين في مكة والمدينة، وتوجيه أنظار العالم نحو المملكة وليس اليمن، وهو هدف جديد في هذه الحرب التي يخوضها الحوثي بالوكالة عن إيران المجوسية، ورغبتهما في خلط الأوراق في هذا التوقيت، وتحويل مسار "عاصفة الحزم" من حرب لاستعادة الشرعية السياسية في اليمن إلى حرب دينية طائفية في المنطقة، وهذا هو الخطر الذي على أساسه كانت مكة هدفاً رخيصاً من وجهة نظر إيران والحوثيين، من دون تفكير في العواقب والتداعيات لو تحقق الهدف. المملكة التي تتحلى بسياسة ضبط النفس في عدم جرّها أو استفزازها لحرب دينية طائفية مرفوضة في اليمن؛ هي ذاتها المملكة التي تنشد الحل السياسي وفق مرجعياته الثلاث، وقطع الطريق على المشروع الإيراني المأزوم والمكشوف في أكثر من قطر عربي، وبالتالي المواجهة سياسية عسكرية بامتياز، وليس لمكة أو المنطقة عموماً طاقة في تحويل المسار إلى صراع ديني طائفي لا يحقق نتائجه في عودة الشرعية، أو قد يثير أطرافاً دولية أخرى تنتظر مبرراً للتدخل المعلن لحماية المصالح، وممرات المياه الدولية في باب المندب. الحوثي يلعب دوراً أكبر من إمكاناته، وأجنداته، ويصرّ على المضي في مغامرة خاسرة تجاه إثارة مشاعر المسلمين، ومحاولة النيل من مقدساتهم، ولكنه ينفذ ما هو مطلوب منه من دون تفكير في العواقب، أو النظر في عروبته، ومشتركاته الثقافية في نسيج مجتمعه، ويتنازل عن كل ذلك في سبيل إيران ومخططاتها الإجرامية، وأحلامها في تصدير ثورتها إلى اليمن كما فعلت في لبنان والعراق وسورية. اليمن سيبقى لليمنيين بما فيهم جماعة الحوثي، والمخلوع صالح، وبقية الأطياف والأحزاب السياسية، وسيبقى موحداً رغم التحديات، وسيكون الحل سياسياً لأزمته وليس عسكرياً باهض الثمن، وهو ما حرصت عليه المملكة منذ وقت مبكر في إطلاق "إعادة الأمل" كمشروع سياسي إنساني للخروج من الأزمة بأقل الخسائر. وعلى هذا الأساس لن تكون ردة الفعل على صاروخ مكة عسكرياً –كما يعتقد البعض-، وإنما استعجالاً للحل السياسي، والعودة إلى المفاوضات بعد أن تعرّى الحوثي أمام العالم، والإسلامي منه تحديداً، ولم يعد هناك مبرر لأوهامه وانقلابه.