لعل يوم 25 أكتوبر 2016م ، سيكون يوماً مهما في العلاقات السعودية الكازاخية، حيث تسعد الرياض باستقبال الشخصية الرائدة، الرئيس الكازاخي نور سلطان نزربايف، استجابة للدعوة الكريمة من لدن أخيه، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتتأكد أهمية هذه الزيارة في هذه الحقبة الزمنية التي تشهد اضطرابات دولية وإقليمية متعددة الاتجاهات، وهنا يأتي دور الأصدقاء والعقلاء من قادة العالم، للاجتماع والتشاور والتباحث "ثنائياً ودولياً" فجمهورية كازاخستان هامة للمملكة من خلال تموقعها الجغرافي بمحاذاة آسيا الوسطى "في بُعد جغرافي أوارو آسيوي" مهم جداً "سياسياً واقتصادياً" بالإضافة إلى الآفاق الاقتصادية الكبيرة بين البلدين. إن مجرد زيارة واحدة لجمهورية كازاخستان، سوف تلمس من خلالها الكثير من جوانب الإشراق التي تجسدت في تجربة بناء مجتمع متعاضد في دولة عصرية، مجتمع محافظ على هويته الإسلامية، ومعتز بتقاليده وأعرافه القومية في توائم دقيق وجميل مع الاختلافات الدينية والعرقية التي تمثل أطياف المجتمع الكازاخي. فقامت دولة أخذت بأسباب الحضارة ومتطلبات المدنية ، وتمسكت بجملة من المثل والمبادئ التي تنبع من عمقها الديني والثقافي/ الحضاري، كما استطاعت أن ترسم لها خطاً متوازناً في أكثر المشكلات تعقيداً، وهي قضية التطرف والإرهاب الدولي، فحفظت البلد من شروره. وفي ذات الوقت، كازاخستان تسهم كثيرا في الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، ولا يخلو مؤتمر دولي أو جهد عالمي لمكافحة الإرهاب إلا ويكون لكازاخستان إسهامها الفاعل. وأثناء مسيرة البناء والتحديث في كازاخستان، برزت شخصية الرئيس نور سلطان نزربايف في كثير من المراحل التي عاشتها الدولة بعد الاستقلال، فقد كانت له رؤاه الخاصة في توجيه دفة التنمية المحلية: (ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا)، كما كانت له رؤيته الخاصة في رسم الأبعاد الاستراتيجية لبرامج العمل خارجيا (إقليمياً ودولياً)، فعمل بتوازن في بناء مجتمع مترابط قائم على علاقات خارجية متينة، فكان الرئيس نزاربايف، على المستوى المحلي الأب لكل مواطن، ودولياً الصديق وإن اختلفت المصالح. و"جمهورية كازاخستان المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق، شهدت نموا وتطورا ملموسا في فترة وجيزة من عمر الدول والشعوب، فصنعت واقعا جديرا بالاحترام في كل مظاهره: (السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية)، ويشهد الشعب الكازاخي مرحلة من النمو والتطور المتنامي الذي جعله محل تقدير وثناء المنظمات الدولية. تدرك قيمة المنجزات من خلال قراءة البيئة التي بني في هذا النجاح، والنجاح الذي حدث ولا يزال يتواصل في هذه الدولة الصديقة (جمهورية كازاخستان)، يدل على الجهود الكبيرة التي بذلت لتحقيقه ، لقد صنعت كازاخستان من التعدد الديني والعرقي الكبير بين شعبها ميزة أضفت على الحياة الثقافية والاجتماعية الكازاخية نوعا من التنوع الذي يفضي للإبداع، وأصبحت جمهورية كازاخستان نموذجا للتعايش السلمي بين الأديان، وملتقى لكثير من الثقافات العالمية، يجمعهم المؤتمر الدوري عن الأديان، والذي ترعاه الحكومة الكازاخية في العاصمة أستانا بشكل دوري. إن مظاهر الاستقرار السياسي، والتطور والنمو الاقتصادي الذي تعيشه كازاخستان الصديقة، جعل منها دولة محورية في المنطقة، وتسهم بشكل فاعل ورئيس في استقرار منطقة آسيا الوسطى، وتعد ضمانا هاما في تهدئة النزاعات الإقليمية، وعلى المستوى الدولي تلعب أدوارها المتميزة وخاصة في مساندة الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب. ويتلخص المشهد الكازاخي المعاصر، في نموذج بناء وتطور العاصمة الجديدة "أستانا" التي أُسست عام 1832م، حيث كانت تحمل اسم آق مولا (أقمولا) حتى عام 1961، وتسيلينوغراد (مدينة الصحراء) ما بين 1961 1992م، وأقمولا ما بين 1993 1998م، وفي عام 1997م، أعلنت مدينة/ أقمولا، عاصمة لجمهورية كازاخستان، وفي عام 1998م تم تغيير اسمها إلى أستانا، بموجب مرسوم رئاسي. أما اليوم: فمدينة أستانا رهانٌ كسبه الرئيس أمام التحدي الكبير الذي صاحب فكرة نقل العاصمة إليها، وبنائها لتكون عاصمة عصرية، ويتأكد هذا التحدي الكبير لمن شاهد أستانا قبل وبعد التغيير. ففي هذا العام / 2016م، تكون أستانا قد قاربت العام العشرين من عمرها بصفتها عاصمة جديدة، وخلال هذه الفترة أي ابتداء من إعلان المدينة عاصمة جديدة حتى هذه الأيام تعيش العاصمة عمليات تحديث مستمرة في كافة الاتجاهات، مع تطوير للإمكانيات الإنتاجية والمجالات الاجتماعية والثقافية. فمن سنة إلى سنة تشهد المدينة إنجازات جيدة في مجمل مسائل نشاط المدينة، ولعلنا نحن (أعضاء الأمانة العامة لمؤتمر أتباع الأديان)، حيث تتاح لنا فرصة زيارة المدينة بشكل دوري سنوي، نشهد في كل زيارة مظهراً من مظاهر النمو والتطور المتلاحق، والذي يحسن التأكيد عليه أن النمو لم يقتصر على المظاهر المدنية فحسب، بل وحتى على البناء الاجتماعي وهذا يتجلى في الزيادة المضطرة لعدد سكان العاصمة الجديدة، ومظاهر تحسن المستوى المعيشي للمواطنين. وحين تتناول الملف الكازاخي، لا يمكن أن تتجاوز القرار الرئاسي الجريء والفاعل، والذي عجزت الكثير من الدول أن تحذو حذوه، وهو إيقاف النشاط النووي على أراضي كازاخستان، حيث أغلق الرئيس نزاربايف القاعدة النووية في سيمبلاتنسك، التي أُجريت فيها أكثر من / 500 تجربة تفجير نووي تحت وفوق الأراضي الكازاخية، وهذا القرار يعد خطوة عملية عميقة جداً في الإسهام في السلام العالمي في إشارة من الرئيس إلى الاتجاه السلمي لكازاخستان في مسار علاقاتها الإقليمية والدولية، في وقت تتسابق فيه كثير من الدول لبناء قدرات نووية..... وتبع ذلك اتجاه كازاخستان بناء على مبادرة من الرئيس/ نور سلطان لتعزيز السلام العالمي من خلال الحوار، فتم تأسيس مؤتمر (زعماء أتباع الأديان العالمية والتقليدية) الذي انعقد في دورته الأولى عام/ 2003م، والثانية في عام/ 2006م، والثالثة عام/ 2009م، ثم الدورة الرابعة في العام/2012م، والخامسة في العام/ 2015م، والمهم هنا ليس مجرد انعقاد المؤتمر في دوراته الأربع، وإن كان ذلك بحد ذاته مؤشرا إيجابياً، ولكن يحسن التأكيد على جملة من النقاط، منها : 1. أن المؤتمر عمل من خلال أمانة عامة، شارك في عضويتها ممثلون لجميع الأديان والطوائف الدينية في العالم، مما أتاح مساحة واسعة لتبادل الآراء وإيجاد أرضية واقعية للتفاهم المشترك. 2. انتظام انعقاد المؤتمر في مواعيده المقررة بالرغم من الظروف الدولية السياسية والاقتصادية، مع حضور ديني وسياسي كبير على مستوى العالم. 3. الموقف الحيادي الكبير الذي تقفه حكومة كازاخستان، في إدارتها لهذا المؤتمر، ولم تحاول التدخل أو توجيه قراراته، بالرغم من أنها الجانب الوحيد الذي يرعى ويمول فعالياته. 4. أن المؤتمر في دوراته السابقة لم يكن مجرد تظاهرة إعلامية، بل كان ميدانا علميا وعملياً رحبا للحوار والنقاش البنّاء والفاعل؛ لذا كان له ثمراته الواقعية وأهمها تأسيس مجلس زعماء أتباع الأديان، الذي عُقد دورته الأولى أثناء فعاليات الدورة الرابعة للمؤتمر في العام/ 2012م. خلاصة القول: لو لم تكن هناك إرادة حقيقية، ونية صادقة تجاه هذا المؤتمر لما تواصلت دورات انعقاده، ولما تفاعل العالم الخارجي معها، ولما تحققت نتائج عملية ملموسة، وهذا الشيء لا يتحقق لكثير من المؤتمرات المماثلة في العالم. كازاخستان نموذج دولي في الوئام والانسجام الطائفي: وذلك بالنظر في عدد السكان ، الذي يتجاوز / 17 مليون نسمة يمثلون أكثر من/ 120 قومية مختلفة في أعراقها واتجاهاتها الدينية، وكيف واستطاعت كازاخستان رغم هذا التعدد العرقي والديني الكبير أن تحافظ على استقرارها الداخلي، فإن ذلك يعتبر مؤشرا واضحا على سلامة السياسة الداخلية في بناء تحقيق الوئام والانسجام، بما يحقق الأمن الوطني، ويتعامل مع التحديات المعاصرة بموضوعية وواقعية، وهي بهذا تعد نموذجاً يحتذى لكافة دول العالم بشكل عام والمنطقة بشكل خاص.... وما تحقق في هذا الميدان هو ثمرة للمرسوم الرئاسي الصادر في مارس عام 2006م بتشكيل اللجنة الحكومية لإعداد برنامج الإصلاحات الديمقراطية في جمهورية كازاخستان، وكان من ضمن مهامها: 1. إعداد برنامج الإصلاحات الديمقراطية وتحديده. 2. تحليل سير الأسس الديموقراطية للنظام الاجتماعي السياسي، وإعداد الإجراءات التشريعية والأخرى الموجهة إلى تحديث المجتمع والدولة سياسيا. 3. تأمين التوافق لأنشطة الأجهزة الحكومية والأحزاب السياسية والمؤسسات الأخرى للمجتمع المدني بشأن إعداد الإجراءات الموجهة لتحديث النظام السياسي وتطبيقها. 4. توفير الظروف للمشاركة الوطنية العامة في مناقشة التطورات الديموقراطية وتنظيمها. واختم هذه الإطلالة السريعة على كازاخستان، بالإشارة إلى المناسبة الدولية الاقتصادية التي سوف تحتضنها كازاخستان "إكسبو 20107"، حيث يأتي في سياق الاهتمام الدولي بالطاقة النظيفة، لذا أرادت كازاخستان أن يكون لها دورا فعالاً في الطاقة المستدامة ولتختار بذلك "طاقة المستقبل" عنوانا لإكسبو 2017. وقد استلمت العاصمة الكازاخية "أستانا" عامَ 2012 علم اكسبو الذي سيقام لمدة 3 أشهر خلال 2017م، ومنذ ذلك الحين تستعد لاستقبال هذا الحدث العالمي واستقبال مئات الشركات والمؤسسات والزائرين المتوقع أن يكونوا بالملايين. وسيتم تسليط الضوء من خلال اكسبو 2017 على أبرزِ التحديات والفرص المتوفرةِ في المنطقةِ والعالم في مجال الطاقة المستدامة، حيث ستشارك العديد من الشركات العالمية لطرح آخر المنتجات والمستجدات وتبادل الخبراتِ في هذا المجال. أشهر قليلة، وتحديداً في العاشر من يونيو 2017 ، تنطلق فعاليات معرض "اكسبو 2017 " ، في العاصمة الشابة " أستانا "، باعتباره معرض المعارض، ومنتدى المنتديات الاقتصادية الدولية، الذي يعرض التطور الفكري والابتكارات التقنية الحديثة وجذب الاستثمارات الاقتصادية لكل دولة، وسوف يحمل اسم/ وصفة "المعرض الأول"، أو معرض المعارض لأنه سيكون الأضخم في الحجم والدقة والحرفية في التنظيم على مستوى دول كومنولث الدول المستقلة والعالم الإسلامي، بالإضافة إلى أن كازاخستان هي الدولة الرابعة آسيوياً التي تنال شرف تنظيم مثل هذا الحدث الجم بعد اليابان وكوريا الجنوبية والصين . هذه قراءة موجزة لكازاخستان الجمهورية المدنية المعاصرة، والدولة الصديقة الرائعة، البلد الذي ننتمي لكثير من مفاصله التاريخية، ونعتز بتاريخه الحضاري الذي نشترك في كثير من ميدانيه، في عز وإرث تاريخي يسند مستقبل علاقاتنا المعاصرة، وكلنا أمل في أن تتحول الافاق الواعدة إلى ميادين عمل فاعلة.