"التعليم أولاً" مبادرة أطلقتها منظمة اليونسكو في عام 2012 إيماناً منها بأن التعليم أفضل طريقة لمكافحة الفقر وتحسين سبل الحياة. وقد وضعت اليونسكو لهذه المبادرة ثلاث أولويات: ضمان التحاق جميع الأطفال بالمدارس، وتحسين جودة التعليم، وتعزيز المواطنة العالمية. أولى الحقائق التي يجب أن نعرفها حق المعرفة هي أنَّ التعليم أفضل استثمار يمكن للدول أن تقوم به من أجل بناء مجتمعات تنعم بتنمية مستدامة. ولا يمكن أن تتحقق الأهداف والغايات إلا إذا وُضِعَ التعليم في صميم البرامج الاجتماعية، والسياسية، والإنمائية. ومن هنا يأتي التعليم كفاعلٍ رئيس في مشروع التحوُّل الوطني للمملكة. ولتحقيق التنمية المستدامة في المملكة، لا بُدَّ أن تكون مخرجات التعليم مُعزِّزة للاقتصاد الوطني ومتوافقة مع سوق العمل ليصبح الخريجون سواعد تنضم إلى صفوف القوى العاملة، وليشعر الجميع بمسؤوليتهم تجاه الوطن. إنَّ التحوُّل الى الاقتصاد المعرفي كما أشار سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - أيَّده الله - يقتضي أن يكون الاقتصاد قائماً في احدى ركائزه على التعليم لمواكبة ثورة المعرفة وتكييفها مع الاحتياجات المحلية، بمعنى أن يُبنَى التعليم على أُسس الإنتاجية، والتنافسية الاقتصادية. ويتطلب ذلك الاستثمار في الانسان القادر على إدماج التقنية الحديثة في المناهج التعليمية وأن تتوفر البنية التحتية المبنية على التقنية الحديثة من أجل تسهيل صناعة المعرفة. إذاً لن يحقق مشروع التحوُّل الوطني أهدافه إلا بالتعليم أولاً وأخيراً، فالتعليم هو المفتاح نحو مستقبل مشرق. فكما قال جون كندي: "لا يمكن أن يكون تقدمنا كأمة أسرع من تقدمنا في مجال التعليم. العقل البشري هو موردنا الأساسي". وصدق أحمد شوقي حين قال: العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها والجهل يهدم بيوت العز والشرف. وأيضاً حينما قال: إِنِّي نَظَرْتُ إِلَى الشعوبِ فَلمْ أَجِدْ كَالجَهْلِ دَاءً لِلشّعُوبِ مُبِيدا. فمعظم الدول الفقيرة قاسمها المشترك الأمية (قلة التعليم، أو الحرمان منه)، التي تقود إلى الفقر. ومن أجل بناء الإنسان السعودي، يجب أنْ نقر أنَّ مخرجات التعليم الحالية ضعيفة، ولا تتناسب مع الطموحات. إذاً يجب أن يتحول تعليمنا من الكم إلى الكيف، وأن تكون مخرجاته ذات منفعة اقتصادية وصناعة قابلة للبيع، وبأغلى الأثمان. ومن أجل ذلك كله، فلا بُدَّ من إعادة النظر في منظومة التعليم بجميع مكوناتها، بدءاً من الصفوف الأُول، وحتى التعليم الجامعي. فلا بُدَّ من التركيز على المعرفة المهارية التي تجعل الشخص لبنة بناء، لا حجر عثرة. ويتطلب تحقيق ذلك التحوُّل من التعليم التقليدي إلى تعليم بحلة جديدة يقود إلى مجتمع المعرفة. يجب أن ندرك ونؤمن بأن إصلاح التعليم ليس بالأمر المستحيل. ولتحقيق ذلك، يجب أن يكون لنا خطة استراتيجية جريئة واضحة المعالم، ولها أهداف محددة بزمن ومنشورة يشارك في إعدادها جميع من لهم علاقة بالتعليم (من مدرسين وتربويين واساتذة جامعات واولياء امور). فما ذُكِرَ في ثنايا رؤية المملكة 2030 من أهمية التعليم، يتطلب إعداد خارطة طريق توصلنا إلى ما نصبو إليه. المطلب الجوهري هو أن يكون للتعليم استراتيجية جديدة، وإعادة صياغة سياسية التعليم لتتناسب مع متطلبات العصر، فوثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية التي صدرت قبل 47 سنة حتماً تحتاج إلى تعديل وإعادة صياغة. إن تجاربنا السابقة والحالية لتطوير التعليم بدءاً من التعليم الثانوي المطوّر، ثم الشامل، ثم المدارس الرائدة والنظام المرن، ونظام الصفوف الأولية والتقويم المستمر، جميعها لا تعدو أن تكون محاولات لترميم النظام القائم. إلا أنها وللأسف لا تفي بطموحات الوطن، خاصة إذا ما ادركنا أنَّ النسبة العظمى من سكان المملكة هم من الشباب الذين هم على مقاعد الدراسة. لهذا يجب ألا نخسر الوقت والجهد في ترميم المناهج القائمة، أو ترقيع كتبها ومناهجها البالية، بل يجب أن نصنع مساراً جديداً مختلفاً كلياً في المناهج، والأسلوب، وطرق التدريس. ولتحقيق الهدف المنشود يجب ألا نعيد اختراع العجلة، بل أن نحذو حذو دول عالمية (إسلامية وغيرها) رائدة في التعليم لتكون هي المرجعية لنا في التعليم دون المساس بالثوابت. كذلك يجب أن ألا يكون النظام الجديد مثقلاً بمواد دراسية لا طائل منها، بل مُركِّزاً على العلوم البحتة والتطبيقية مشتملة على العلوم، والرياضيات، واللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والثقافة الإسلامية، ومادة الوطنية (المشتملة على تاريخ وجغرافية المملكة). وقد يكون من الأسلم أن نترك النظام الحالي على وضعه دون مساس ليبقى مجالاً متاحاً لمن يرغب في البقاء على النظام القديم. وهذا يعني أن المواطن سيجد أمامه خيارين: تعليم قديم تقليدي، وتعليم حديث جديد. وله الحرية في اختيار ما يشاء. ولعلَّ تجربة وجود نظامين للتعليم في المملكة للمرحلة ما بعد الابتدائية يمكن أن يُستفاد منها في توضيح فكرة نظام التعليم الجديد، حيث يُتاح للشخص الاختيار بين التعليم المتوسط التابع لوزارة التعليم، أو الدراسة في المعاهد العلمية التي تشرف عليها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. خلاصة القول: إن صناعة الإنسان هي مفتاح نجاح برنامج التحوُّل الوطني. وحتماً لن يتحقق ذلك الا بالتعليم والتعليم المتميز فقط، آملاً أن يتحقق المنشود، وأن ترقى بلادنا إلى مصاف العالمية. وفَّق اللهُ الجميعَ إلى خدمة وطننا المعطاء؛ وللجميع مودتي. *جامعة الملك سعود