الشنفرى يقدم لنا أوصافاً مطربة لامرأة جميلة كل الجمال، عفيفة كل العفة، قد دلّلها قانون الوراثة فكل عضو من أعضائها ينطق منه الحسن ويشع الجمال، وكل صفة من صفاتها تدل على دماثة الأخلاق وكمال العفاف وأصالة المحتوى وحسن التربية .. ففيها جمال الروح والجسد.. تَحُلُّ، بِمَنْجاة ٍ مِنَ اللَّوْمِ، بَيْتَها إذا ما بُيُوتٌ بالمَذَمَّة ِ حُلَّتِ . ومع أن الشنفرى أقوى من يمثل الصحراء في وحشتها ووحدتها، حتى إنه تلبّس بالصحراء وتلبّست به، فهجر الناس والإنس وانضم للسباع والذئاب والضباع وعاش شريداً .. شديداً .. طريداً .. وحيداً .. يعدو في البراري والقفار حافياً عاريا إلا من رقعة بالية تستر العورة .. ينافس الذئاب والسباع في العدو والصيد كأنه في وسط عليك بحافظات الدِّين تغنمْ ولا تشْرَه عليهن بالكمال النهار وحش و في بهيم الليل جنّي .. إلا أنه وصف المرأة التي تعجبه بأوصاف أرقى من أوصاف المتحضريين من العرب القدماء .. فإذ يركز شعراء العصر الجاهلي على محاسن المرأة الجسدية ويَغْفِلون تقريباً عن المحاسن المعنوية واللفتات الحلوة، نجد أن هذا الشاعر الجاهلي المتوحش إلى آخر حدود التوحش، يقدم لنا نغماً مختلفاً جدا، ويعزف على أوتار الحب والإعجاب بشكل أرقى وأسمى ، فالمرأة التي في باله، والتي تنال إعجابه، بريئة إلى آخر الحدود .. عفيفة بشكل يفوق التصور .. وعزيزة بشكل يقتل العاشق .. وكريمة الى حد انها تهدي جاراتها أحلى وأغلى ماعندها .. وروحها حلوة .. وتحب القصص والحكايات ويزدان وجهها الجميل بالابتسام .. حتى اذا أمعن في أوصافها المعنوية الحلوة خلع عليها الحسن كله، حتى بلغ حسنها وجمالها حداً لا يستطيع أكبر شاعر الإحاطة به أو وصفه: فَوَا كَبِدا على أُمَيْمَة َ بَعْدَما طَمِعْتُ فَهَبْهَا نِعْمَة َ العَيْشِ زَلَّتِ فَيَا جَارَتِي وأنْتِ غَيْرُ مُلِيمَة ٍ إذا ذُكِرَتْ ولا بِذَاتِ تَقَلَّتِ لَقَدْ أعْجَبَتْنِي لا سَقُوطاً قِنَاعُها إذا مَشَتْ ولا بِذَاتِ تَلَفُّتِ تَبيتُ، بُعَيْدَ النَّوْمِ، تُهْدِي غَبُوقَها لِجَارتِها إذا الهَدِيَّة ُ قَلَّتِ تَحُلُّ، بِمَنْجاة ٍ مِنَ اللَّوْمِ، بَيْتَها إذا ما بُيُوتٌ بالمَذَمَّة ِ حُلَّتِ كأنّ لها في الأرْضِ نِسْيا تَقُصُّه على أمُهِّا وإنْ تُكَلِّمْكَ تَبْلَتِ أمَيْمَة ُ لا يُخزي نَثَاها حَلِيلَها إذا ذُكِرَ النّسْوَانُ عَفَّتْ وَجَلَّتْ إذَا هُوَ أمْسَى آبَ قُرَّة َ عَيْنِهِ مَآبَ السَّعِيدِ لم يَسَلْ: أينَ ظَلَّتِ فَدَقَّتْ،وَجَلَّتْ،واسْبَكَرَّتْ،وأُكْمِلَتْ فَلَوْ جُنَّ إنْسَانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ لقد تمم الشنفرى أوصافه لها بهذا البيت المعبر غاية التعبير والمصور أجمل التصوير: (فدقّت وجلّت واسبكرت وأُكملت فلو جُنّ إنسانٌ من الحسن جُنَّتِ) فالشطر الأخير قرار موسيقي رائع لسيمفونية الجمال، وإذعان من الشاعر بأنه لا يستطيع حصر محاسنها، لذلك حاول قول مايستطيع في شطر جامع شديد التركيز والإيحاء وكأنه خلاصة الموضوع، والحكم المدهش الأخير.. . ومما يعجبنا في أبيات الشنفرى إعجابُهُ بعفتها وبراءتها وكرمها قبل جمالها الجسدي ، وهذا - كما قلنا- أمر غير شائع لا في الشعر العربي الفصيح، ولا في الشعر العامي الشعبي، إذا أن أكثر شعر الغزل -بالشعبي والفصيح- يتجه إلى الأوصاف الجسدية، وحلاوة العيون والثغر والخدود و جمال القدود، لكنّ صاحبنا -الصحراوي حتى العظم- قدم لنا صورة نفخر بها وتفخر بها المرأة لأنه ركز على جمال الروح ثم الجسد حتى في البيت الأخير ، فإن قوله (.. وأكملت) يدل على جمال الروح وتمام الأخلاق.. ولا نستغرب ذلك من (الشنفرى) لأنه كريم النفس رغم توحشه وبعده عن الناس بل ربما كان ذلك البعد حفظاً لكرامته، فهو يقول في لامية العرب المشهورة: أقيموا بني أمي ، صدورَ مَطِيكم فإني ، إلى قومٍ سِواكم لأميلُ ! فقد حُمّتِ الحاجاتُ ، والليلُ مقمرٌ وشُدت ، لِطياتٍ ، مطايا وأرحُلُ؛ وفي الأرض مَنْأىً ، للكريم ، عن الأذى وفيها ، لمن خاف القِلى ، مُتعزَّلُ لَعَمْرُكَ ، ما بالأرض ضيقٌ على أمرئٍ سَرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقلُ ولي ، دونكم، أهلونَ: سِيْدٌ عَمَلَّسٌ وأرقطُ زُهلول وَعَرفاءُ جيألُ هم الأهلُ. لا مستودعُ السرِّ ذائعٌ لديهم ، ولا الجاني بما جَرَّ ، يُخْذَلُ وكلٌّ أبيٌّ ، باسلٌ . غير أنني إذاعرضت أولى الطرائدِ أبسلُ وإن مدتْ الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم ، إذ أجْشَعُ القومِ أعجل (الشعر الشعبي يهتم بجمال الروح أكثر من الفصيح) ومن خلال قرآتي المتواصلة في الشعر يبدو لي أن الشعر الشعبي في المملكة يولي اهتماماً لجمال المرأة الروحي وأخلاقها الأصيلة أكثر من اهتمام الشعر الجاهلي الذي جُلّ تركيزه على الناحية الجسدية المادية رغم أن بيئة الشعراء واحدة، وأن شعرنا الشعبي هو الأقرب للفصيح لغة وأغراضاً ومعاني.. يقول إبراهيم بن جعيثن: وفيهن من على الشده تصبّر ولو عنها تغرّب للشمالي ولا يطري لها تصغي لغيره تصبر من هلال الى هلالي عليك بحافظات الدين تغنم ولا تشره عليهن بالكمالي وفيهن غنجةٍ حلوٍ نباها ولا تشناه في غبر الليالي تبيع له الحلي اللي عطاها ولاتقول هذا لك وذا لي ألا ياشاريٍ مني نصيحة نصيحة صاحبٍ عدلٍ موالي ولا يبغى جزاه الا من الله خذوها يالرجال بها المجالي تخير بالنسب قبل المناسب ترا بنت الرجال ألْهَا رجالي إلى جت عدلةٍ والحظ طيب نما معروفهم وانمو عيالي ولا تغتر بالهدم الحساوي أبْزِين الصبغ عن هدم الشمالي ولا تغتر بالجربا شحمها ولو جِلْبَتْ فلا فيها تغالي تراها سلعة الجزار فاحذر اتْقَرّبْها الصحيح من الحلالي ترا نومك على الساحه نظيفه ولا نومك على وصخ الزوالي عليك بحافظات الدين تغنم ولا تشره عليهن بالكمالي إلى منك بغيته فاختبرها فودعها حروف السين دالي تخيّر مثل ما قال المهادي ولا تنزل على بيت النمالي ترا قرب الخنا يدني مذلّه وقرب المجد يرقيك المعالي تأسّ بقولة الفاروق واصبر ترا ما زاد بالدنيا.. زوالي ترا ما للفتى مع قسمة الله مع الأسباب في كل الموالي صلاة الله وتسليمٍ نسلم على المختار ما هل الهلالي