أحدثت العملية الأمنية التي قامت بها السلطات المصرية لإنهاء اعتصام الفين من اللاجئين السودانيين، الذي استمر ثلاثة أشهر بميدان مصطفى محمود بالقاهرة ردود فعل غاضبة على الصعيدين الداخلي والخارجي. فعلى الصعيد الداخلي تصاعدت نغمة الهجوم على الحكومة ووزارة الداخلية، واعتبرت الصحف المستقلة والمعارضة أن الحكومة ارتكبت أكبر خطأ في نهاية عام 2005، واعتبرت أن التدخل بهذا الشكل وقتل 25 لاجئاً وإصابة أكثر من سبعين آخرين «فضيحة» للحكومة، كما دعت الحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية» إلى التظاهر احتجاجاً على استعمال القوة لتفريق اللاجئين السودانيين. كما تسارعت ردود الفعل الدولية الغاضبة بسبب النهاية الدموية للاعتصام، وهو ما وصفه السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان ب «الحادث المأسوي» الذي لا يمكن تبريره، بينما عبر المفوض السامي لشؤون اللاجئين عن صدمته وحزنه لما حدث، مؤكداً أنه «لا شيء يبرر هذا العنف وإراقة الدماء». كما أعربت واشنطن عن حزنها لسقوط هؤلاء الضحايا، بينما أكدت الحكومة السودانية على لسان نائب وزير خارجيتها علي أحمد كرتي أنها تأسف لمقتل طالبي اللجوء «دون ضرورة». كان اللاجئون طالبوا بترحيلهم إلى بلد ثالث إلا أن المفوضية أكدت أن ذلك القرار يرجع للدول المضيفة ويخضع لسيادتها وليس للمفوضية، كما أعربت المفوضية في ذلك الوقت عن قلقها حول الوضع الإنساني والصحي المتدهور للاجئين المعتصمين في حديقة مسجد مصطفى محمود مشيرة إلى أن ذلك الأمر أصبح مصدر ازعاج للسلطات المصرية. وقامت الشرطة المصرية بترحيل المعتصمين إلى معسكرات متفرقة تابعة لأجهزة الأمن على أطراف القاهرة، وما زال الغموض يكتنف مصيرهم، خاصة المصابين منهم. وقالت مصادر إن أجهزة الأمن المصرية رفعت حالة الطوارئ خشية تعرض المصالح المصرية في الداخل أو الخارج لعمليات إرهابية أو تخريبية من جماعات سودانية رداً على مجزرة اللاجئين السودانيين، حيث تم فرض إجراءات مشددة على دخول السودانيين مصر ومراقبة بعض العناصر الموجودة. واستنكرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان أعمال العنف التي صاحبت فض اعتصام اللاجئين السودانيين، مشيرة إلى أنها شاركت مع عدد من منظمات المجتمع المدني في محاولة لايجاد حل للمشاكل التي يواجهها طالبو اللجوء وشاركت قيادات سودانية في هذه المفاوضات إلا أنها لم تكن توصلت إلى حل لهذه المشكلة. ودعت منظمة «هيومان رايتس ووتش» لمراقبة حقوق الإنسان إلى إجراء تحقيق مستقل، معتبرة أنه «ينبغي أن يشكل الرئيس حسني مبارك على وجه السرعة لجنة مستقلة للتحقيق في استخدام قوات الشرطة القوة ضد المهاجرين السودانيين». وأعربت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن إدانتها لوقائع الاعتداء على اللاجئين السودانيين من قبل قوات الأمن المصرية والتي استخدمت القوة المفرطة لفض اعتصامهم السلمي مطالبة بالتحقيق الفوري فيها، وطالبت المنظمة السلطات المصرية بإجراء تحقيق فوري في وقائع القتل واستخدام القوة غير المبرر. وأصدرت جمعية المساعدات القانونية لحقوق الإنسان، بيانا طالبت فيه بإقالة حبيب العادلي وزير الداخلية بسبب ما أسماه البيان المجزرة البشعة بحق الأطفال والنساء والشيوخ السودانيين اللاجئين في مصر، وطالب بمحاكمة علنية للمسؤولين عن المجزرة والإعلان عن الأرقام الحقيقية للقتلى والمصابين. وأشار البيان أن أكثر من 25 ألف من جنود الأمن المركزي والمصفحات هاجمت جموع اللاجئين دون مراعاة لوجود أطفال أو نساء أو شيوخ، كما استخدمت مدافع المياه الباردة في تفريق اللاجئين. إلى ذلك تقدم النائب الإخواني الدكتور حمدي حسن المتحدث الرسمي باسم الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان بسؤال برلماني عاجل لرئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف ووزير الداخلية حبيب العادلي ووزير الخارجية أحمد أبو الغيط حول النهاية الدموية لاعتصام اللاجئين السودانيين وطالب الحكومة بتفسير حول ما وصفه ب «العنف الأعمى وغير المبرر الذي تعاملت به الشرطة مع اللاجئين السودانيين المسالمين». كانت جماعة الإخوان المسلمين دانت أسلوب القسوة الشديد الذي استخدمته قوات الأمن المصرية في إخلاء اللاجئين السودانيين من أبناء الجنوب. من ناحية أخرى طلبت منظمات بريطانية من توني بلير رئيس الوزراء البريطاني، الذي يمضي عطلة رأس السنة مع أسرته في منتجع شرم الشيخ المصري، بقطع عطلته والعودة فورا إلى لندن، بهدف توصيل رسالة احتجاج إلى السلطات المصرية على ارتكابها تجاوزات خطيرة ضد الحريات وحقوق الإنسان، وأشارت إلى عدة أحداث أبرزها التجاوزات التي شابت الانتخابات البرلمانية الأخيرة مما أسفر عن سقوط 14 قتيلاً، وصدور حكم بسجن الدكتور أيمن نور رئيس حزب الغد المعارض لمدة خمس سنوات، وهو حكم اعتبرته المنظمات البريطانية أنه يستند الى دوافع سياسية، وأخيراً المجزرة التي ارتكبتها قوات الأمن أثناء قيامها بفض اعتصام للاجئين السودانيين بميدان مصطفى محمود مما أسفر عن مقتل 25 منهم وإصابة العشرات. وانتقدت المنظمات قيام رئيس الوزراء البريطاني باختيار شرم الشيخ لقضاء عطلته السنوية، معتبرة أن ذلك «يبعث برسالة خطأ لصالح القيادة المصرية». على الصعيد الرسمي قال المتحدث باسم وزارة الخارجية إنه استرعى انتباه وزارة الخارجية التناول المغلوط الذي أقدمت عليه بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية، لواقعة فض السلطات المصرية اعتصام اللاجئين السودانيين، في تعمد ملحوظ للإساءة إلى السلطات المصرية، متهمة اياها باستخدام العنف المفرط والقوة غير المبررة في فض الاعتصام، مما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا السودانيين، وذلك على الرغم من أن قوات الأمن المصرية لم تكن تحمل أية اسلحة بيضاء أو نارية بما يمكنها من استخدام القوة. وقال المتحدث إن هذا التناول يعكس افتقاراً صارخاً لتوخي الدقة في جمع المعلومات وافتقاد الحرص على النقل الأمين والعرض الموضوعي لوقائع تلك الأزمة، حيث تجاهلت ما أبدته السلطات المصرية من صبر وأناة في تعاملها مع أزمة المعتصمين منذ ارهاصاتها الأولى في 29 سبتمبر الماضي، أصر فيها اللاجئون السوادنيون على التشبث بموقفهم باستمرار حالة الاعتصام في قلب القاهرة، بكل ما يتضمنه ذلك من سلوكيات مخالفة للقوانين المصرية وانتهاكاً لقيم وتقاليد المجتمع المصري، ولا سيما وأن موقع الاعتصام يتمثل في حديقة ملحقة بمسجد مصطفى محمود، الذي يعتبر من أهم مساجد القاهرة، حيث يتردد عليه الآلاف من المصلين في الأعياد والمناسبات الدينية، الأمر الذي لا تقبل ازاءه اعراف المجتمع المصري اي مساس به إلا أنه على الرغم من ذلك حرصت السلطات المصرية على تكثيف الجهد لتوفير الأمن والحماية للاخوة السودانيين المعتصمين فضلاً عن المكتب الإقليمي لمفوضية اللاجئين بالقاهرة. وأضاف أنه من جانب آخر، أسقطت وسائل الإعلام المشار إليها عامدة الجهود الدؤوب التي بذلتها مصر على مدى ثلاثة أشهر في هذا الصدد، حيث لم تدخر وسعاً في تكثيف اتصالاتها سواء مع السلطات السودانية ومكتب المفوضية بالقاهرة والوسطاء السودانيين، بغية تحديد السبل الممكنة للاستجابة لمطالب المعتصمين لفض ذلك الاعتصام سلمياً، وهي الجهود التي أسفرت بالفعل عن التوصل إلى صيغة مقبولة من قبل المفوضية وممثلي المعتصمين، إلا أنه لم يلبث أن تراجع المعتصمون عن موافقتهم على تلك الصيغة متشبثين بمطلبهم الرئيسي بالإصرار على توطينهم في دولة ثالثة بالولايات المتحدة أو كندا أو استراليا. كما يغفل مثل هذا التناول الإعلامي المشوه أن تدخل السلطات المصرية جاء بناءً على طلب من مكتب المفوضية بالقاهرة لفض الاعتصام سلمياً.. كما لم تدخر السلطات وسعاً صباح الجمعة الماضي في مناشدة المعتصمين إنهاء الاعتصام والتعاون طواعية معها لنقلهم إلى معسكرات إيواء خارج القاهرة بما يضمن لهم ولأسرهم المعاملة الكريمة والرعاية المطلوبة بدلاً من المبيت في العراء بقلب القاهرة، وهو النداء الذي لم يجد أي آذان صاغية من قبل المعتصمين الذين بادر بعضهم بالاعتداء على قوات الأمن المصرية مستخدمين السلاح الأبيض والزجاجات الحارقة والحجارة، الأمر الذي لم تجد القوات أمامه بداً من التدخل لحماية أفرادها وإجبار المعتصمين على وقف العنف مما أدى إلى تلك النتيجة الأليمة بوقوع ضحايا على الجانبين السوداني والمصري. وناشدت الخارجية المصرية وسائل الإعلام تحري التدقيق لوقائع تلك الأزمة ومراعاة الموضوعية في النقل والتعليق.