يفرح الإنسان، يمتلك السعادة، ويتجلى نشوة إذا ما أدرك أن مستقبلات الادارة في الوطن تسير بشكل ممنهج فيه الوعي والإدراك وتحسس المسؤولية، وان هناك قناعات قوية وراسخة بأن الوظيفة تكليف لا تشريف، وانها خدمة جليلة تؤثر في مسارات الوطن ومستقبلاته الاجتماعية، والاقتصادية، والمسلكية، والفكرية، وأن المسؤول مهما كان موقعه في سلم الهرم الوظيفي بدءاً من الوزير، وحتى أصغر موظف في أي قطاع حكومي، ما هو إلا شخص مؤتمن على مصالح الناس، ومصالح الوطن، وقضايا المجتمع، وهو بالتالي فرد من أفراد المجتمع لا تميزه الوظيفة عن الناس، ولا تعطيه حقاً غير ما تكفله المواطنة، بل هو إنسان يتميز بأدائه الوظيفي، وإضافاته الجميلة والواعية في مجالات عمله، وما يتمتع به من خلق وإبداع وتفكير وتوجهات تجعل من نشاطاته في فضاءات مسؤوليته الوظيفية أفقاً لا يحد من المكاسب التي ترقى بالمفاهيم والرؤى إلى حيث تطلعات الوطن. إذن: الادارة فن معقد وشائك قد لا يطال الابداع فيه إلا من تحصن بالوعي، وأثرى نفسه وروحه بمخزون من الرؤية السليمة، والقناعات بأن الوظيفة مرحلة من مراحل حياة الفرد، وتاريخ لمساراته الاجتماعية، والوظيفية، وستكون يوماً ذكرى، والذكرى إما أن تعطينا الحياة المستمرة عند الناس، وإما أن تكون لعنة علينا، وعلى أولادنا، وبالتالي أجيالنا. حسناً.. هكذا مفهوم الوظيفة، والعمل في الشأن العام. أحسب أنه هكذا.. أجزم أنه لا يمكن أن يكون غير هذا المفهوم. .؟! ملحوظة في السياق: دوماً أذكر في مجال الادارة، والسلوك الوظيفي، والمفاهيم الشامخة في الادارة، ونزاهة الكف والقلب واللسان، وتحسس المصلحة العامة بكل أبعادها ذلك الرجل الإنسان الدرعاوي النقي المهندس عبدالعزيز بن عبدالله العبدالواحد الذي هو مدرسة حقيقية في السلوك والمسلك الوظيفي، ويمثل الاحترام للكرسي والمسؤولية، والولاء للوطن.. انتهت الملحوظة، سنعود للحديث، بعد أن نقفل القوس. قبل أيام تلقيت مكالمة رائعة من رائع متألق. كانت المكالمة من الدكتور عبدالله المعجل، وكيل وزارة التعليم العالي. حديث طويل طويل. وفرح بالرجل، وبالمفاهيم، والإصرار على محاصرة السلبيات، وعلاج الأخطاء، وتكريس النجاحات مهما كانت العقبات، وأياً تكن المعوقات، أهدافي إياه هذا الرجل المسؤول.. لقد كتبت عن معرض الكتاب في بيروت، وعن الندوة التي كان من المفترض أن تقام من ضمن نشاطات المعرض. قال لي الدكتور عبدالله كلاماً كثيراً وكبيراً يحمل تطلعات لا يدركها إلا الكبار، وخلال الحديث داخلني إحساس بأن الرجل (الوكيل) يمتلك ثراء معرفياً وتنويرياً، ولديه الاحساس بأن الوطن ومستقبلاته مرهون بمدى ما نقدم من عمل. وانعكاسات عملنا وأعمالنا هي التي تصنع كل مناحي الحياة فيه، وتأكد لي أن جيلاً من الاداريين قد تسنموا مواقع المسؤولية في مراكز القيادة والقرار. وتحملوا مهمات الارتقاء بمفهوم الأداء الوظيفي، واعطائه زخماً من استشراف صناعة المستقبل، وصياغة التوجهات، هم الآن من نعلق عليهم وعلى وعيهم وانتمائهم الحد من انهيارات قد تطالنا في مسيرتنا التعليمية والتربوية والاجتماعية.