المناضل العربي فهد المارك أحد رجالات القرن الهجري المنصرم، بدأ حياته في كنف أبيه حيث كانت تعيش الجزيرة العربية وكافة بلاد العرب مرحلة انتقالية بين حركات توحيد البلاد وتطهير العالم العربي من يد الاحتلال الأوروبي، كان الشعور القومي حينها ملهماً ومحفزاً لحركات ومنظمات الجهاد والنضال الإسلامي والعربي، كانت حينها أرض فلسطين تعيش تحت الاحتلال البريطاني وكانت الحركات والمخططات الصهيونية في طريقها لتنفيذ ما سمي فيما بعد ب «وعد بلفور». عيّن مندوباً لمكتب مقاطعة إسرائيل في دمشق وكُرّم من عدد من القادة والزعماء العرب في هذه الأجواء ولد المناضل العربي الشهير فهد بن مارق بن عبدالعزيز، الذي عرف فيما بعد ب « فهد المارك « الذي ولد ونشأ وترعرع في مدينة حائل وتلقى فيها مبادئ التعليم إلى أن رحل إلى أرض الكنانة مصر حيث المد القومي والإسلامي فتلقى هناك حصة وافرة من التعليم ثم عاد إلى الرياض فأكمل تعليمة إلى أن التحق في منتصف القرن الهجري المنصرم بدار التوحيد بمدينة الطائف ليتخرج منها وهو محصن بعدد وافر من المعارف والعلوم التي لا تقف عند مذهب معين أو مدرسة بعينها. هذه الأجواء وهذه الظروف كان لها أثرها في نشأة وشخصية المناضل العربي الشهير فهد المارك حيث ظل هذا المناضل الشاب يجاهد بقلمه ولسانه نثراً وشعراً للذود عن قضايا أمته العربية والإسلامية، ومن خلال تواصله المستمر مع وسائل الإعلام كان المارك متابعاً لمستجدات قضية أمته، حيث الأراضي الفلسطينية والجهاد العربي والإسلامي هناك، والذي كان للمارك شرف ترؤس أول فوج سعودي للجهاد ضد المحتل الإسرائيلي مع الأفواج العربية في كل من مصر والشام والعراق وكافة القطاع والأقاليم العربية آنذاك. حياته ومهماته المجاهد والمناضل العربي والأديب والشاعر المؤرخ والدبلوماسي الراوية فهد بن مارك بن عبد العزيز الذي ولد في مدينة حائل عام 1330ه 1910م، تعلم منذ صغره والتحق بدار التوحيد بمدينة الطائف وكان زميلاً للعلامة عبدالله بن خميس كان قارئاً نهماً وباحثاً ومحققاً كثير الاطلاع، تميز بسماعه وجودة نقله فمن يقرأ له سوف يقف على جميل الأشعار وغريب العلوم والأخبار، ونظراً لتعدد مشاربه وسعة اطلاعه فقد تميز عن أقرانه بأنه كان كاتباً وباحثاً موسوعياً يوثق التواريخ وينقل الأخبار وينظم الأشعار ويناقش ويحلل في دهاليز وشؤون السياسة والعلوم العسكرية والمراسم الدبلوماسية، وبتعدد مشاربة واهتماماته تعددت مناصبة ومهماته، فهو مع كونه كاتباً صحفياً ومحللاً وناشطاً اجتماعياً كان أيضاً قائدا مناضلا وعسكريا ميدانيا، عينه الملك عبدالعزيز قائداً للفوج العربي السعودي ضمن جيش الإنقاذ في فلسطين عام 1948م، كما شارك في معارك المالكية في شمال فلسطين، هذا إلى جانب كونه أول مندوب سعودي لمكتب مقاطعة إسرائيل في مقره الرئيسي بدمشق وفي عام 1370ه عمل مستشاراً بالسفارة السعودية في كل من تركيا وسورية وليبيا، كما كانت له رحلات وتنقلات عديدة في العواصم العربية والإسلامية والعالمية، كما مثّل الملك فيصل – رحمه الله – بالاتصال مع منظمة فتح الفلسطينية كما أنه أسس عام 1950م في مدينة دمشق جمعيةً خيرية لرعاية الأيتام والعجزة والأرامل السعوديين المقيمين في سورية وذلك بدعم كبير من الحكومة السعودية ورجال الأعمال السعوديين، ونظراً لمواقفة البطولية المشهودة والمشهورة حيال القضية الأولي للمسلمين والعرب المتمثلة في الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية فقد كرمته الحكومة الفلسطينية قبل بضع سنوات بتسمية إحدى الشوارع الرئيسية في مدينة طولكرم باسمه، كما منحه الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى ومنحه فخامة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات - رحمة الله - وسام القدس الشريف، وهو أعلى وسام فلسطيني وذلك عام 1995م، كما نال وسام الاستحقاق السوري عام 1948م، وأمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حين كان أميراً على الرياض بتسمية احد شوارع الرياض باسمه، كما حملت كثير من شوارع المدن في المملكة اسم فهد المارك لاسيما في مدينة حائل أرض آبائه ومقر ولادته. التطوع كان لفهد المارك نشاط ودور فاعل في الجهاد ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية التي خلفت الاحتلال البريطاني في الأراضي العربية، حيث يذكر هو في كتابه سجل الشرف أنه عندما أعلن الإسرائيليون عن عزمهم على قيام كيان محتل للأراضي الفلسطينية باسم دولة إسرائيل في 15/5/1948م، أستأذن الملك عبدالعزيز للجهاد في الأراضي المقدسة، فبارك الملك تطوعه، فتوجه إلى سورية للمشاركة مع مواطنيه السعوديين وهناك علم أنه لا يوجد فوج باسمهم أسوة بغيرهم فقام بجمعهم وقيادتهم في فوج سعودي بقيادته مع البطل المصري أحمد عبدالعزيز والعقيد فوزي القاوقجي، وبعد عوتهم كرم الملك عبدالعزيز هؤلاء المجاهدين واحتفى بهم المواطنون في كل مكان. الأديب المؤرخ على الرغم من المشوار الطويل الذي قضاه المناضل فهد المارك في جهاده ضد قوى الاحتلال الإسرائيلية وعلى الرغم أيضاً من تزاحم أعماله وكثرة مهماته ومشاغله إلا أن هذا كله لم يبعده – أبداً – عن أنيس وحدته وسمير غربته حيث الكتاب والتدوين وقرض الشعر، فقد عرف عن الأديب والشاعر فهد المعارك غزارة الإنتاج ودقة النقل والتثبيت في المعلومة ويكاد يجمع من قرأ لمدوناته وكتبه ومخطوطاته أنه رجل سبق زمانه وفاق أقرانه في تعدد مشاربه وتنوع مؤلفاته وكتاباته وهو بعيد عن كونه ناظماً وشاعراً يشار له بالبنان، فقد انفرد الأديب والمؤرخ فهد المارك بتوثيق مرحلة تاريخية عايشها وعاش في كنفها حيث أرّخ لمجريات وحوادث القرن الرابع عشر الهجري، ولم يقف على ذلك فحسب بل كثيراً ما عمد إلى تأصيل بعض الشواهد والظواهر التاريخية والروايات الشفهية ما انفرد به عن غيره حيث عنى وبشكل كبير في نقل أخبار عامة الناس وخاصتهم ونقل الصور الاجتماعية كما هي مطعما ذلك بنوادر الأشعار وصحيح الأخبار، ولم يقف قلمه على ما يرغبه أو يميل إليه، وهو حين يسوّد القرطاس يستلهم من حيث يشعر أو لا يشعر- أمجاد أمته التليدة وحضارتهم المجيدة لمَ لا ؟ وهو عربي حتى النخاع يتراقص قلمه مع أحساب العرب ومروءاتهم، ويستفيض شعره ونثره في وصف التقاليد المحمودة والأعراف النبيلة لأجداده الفاتحين، ولذا فقد صبغت عناوين كتبه بالمعاني والمثل العليا كالشهامة والمروءة والكرم والحلم والوفاء، حتى لكأنه يُشعر القارئ أنه ولد في غير زمانه، لا سيما حين ينقل لهذا القارئ أو ذاك انزعاجه من بعض الظواهر والمواقف السياسية والعسكرية التي يشاهدها في بعض البلدان العربية لا يعزيه فيها إلا قول الشاعر: كل من لاقيت يشكو دهره .. ليت شعري هذه الدنيا لمن؟ كما كانت له – رحمه الله – عدة كتابات ومقالات صحفية أشهرها تلك التي أودعها صفحات مجلة "اليمامة" أثناء وبعد إشراف العلامة حمد الجاسر عليها. ومن قصصه ونوادر أخباره أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حين كان أميراً لمنطقة الرياض- سأله في مناسبة دعاهم لها الأمير نايف -رحمه الله- بمزرعته بمحافظة الخرج: هل الكريم أفضل أم الشجاع؟ فأجاب إجابة الفطن المتبحر بعلوم وشيم العرب فقال: يعود الأمر إلى منزلة المرء الاجتماعية، فإذا كان جندياً أو يشبه الجندي فينبغي منه أن يكون شجاعاً، وإذا كان الجبن ممقوتا من الجندي، فإن البخل ممقوت أكثر من الأمير..". وكان رحمه الله يقول "اتق شر من أحسنت إليه بمزيد من الإحسان"، أما في الشعر فهو شاعر مطبوع متمكن في الشعر العربي بيد أن كثيراً من قصائده شعبية يتناقلها رواة الشعر وهواة القصيد، وهي قصائد متنية جزلة المعاني يصبها كأنما تنحدر معه من رؤوس الجبال فهو حين تمتلكه مشاعره ينطلق بها سابحة في وصف ما يشاهده وسرد ما يجول بخاطره ولاسيما وقد شاهد ذات مرة مدينة حائل من الطائرة وكان بجواره الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عندما راح يسرد للزعيم الفلسطيني تاريخ مدينته وروعة أرضها وجبالها وبطولات أهلها ورجالها وهو القائل يصفها: عسى الحيا في حايل حاير ماه .. يسقيك يا دار بها الجود ما جود عساه كل أسبوع تجري شغاياه .. آمين يا فرد على الخلق معبود وكان - رحمه الله - يناشد المثل العليا والخلق الرفيع وله في ذلك أقوال مأثورة وحكم منقولة ولاسيما وهو القائل "إذا أردت أن تعرف خلق إنسان فانظر لحيائه وحلمه "وقوله" أربعة رجال ليس لهم ضمير، السجان، والجلاد، والجاسوس على بني قومه، والكاتب المنافق" ولذا فهو يصف نفسه في إحدى كتاباته فيقول "أكتب وأنا مؤمن بما أكتب فيه، واثق بأن عظامي ستبلى، ولكن كتاباتي سوف تظل شاهدة بما كتبت، وحجة لي إن وصلت وصدقت، وحاكمة عليّ إن أخطأت وشططت ". قال عنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز "يعد الأستاذ فهد المارك من رجال الملك عبدالعزيز المخلصين له ولبلاده وقدم جهودا طيبه لخدمة وطنه وقضايا أمته العربية والإسلامية. اسم والده كان المارك أميناً في كتاباته وقد تحدث عن حياته الخاصة ووالده الذي كان أحد رجال الأمير محمد العبد لله الرشيد، وكان والده قد أصيب بيده اليمنى فشلت وله صور فوتوغرافية نادرة كما تحدث هو عن تغير اسم والده حيث كان الاسم "مارق" وربما أنه كان ينطق بقلب " القاف " زاي" كما ينطقها أهالي نجد إلا أنه عمد بنفسه إلى قلب "القاف" "كاف" وقال في إحدى مؤلفاته " والحقيقة هي أن كنيتي الأساسية هي المارق - لا المارك - وهذا الاسم ليس غريباً بالنسبة للأسماء العربية وخاصة ذات الطابع البدوي لأن المعنى من المارق أي النافذ والماضي وقد ذكر ابن عبدربه صاحب (العقد الفريد) أن هناك قبيلة يقال لها بنو مارقة كما جاء من شعر البحتري بمدحه لأحد رجالات العرب كقوله: نجيح مليح أخو مارق يكاد يخبر بالغائب أما لماذا غيرت الاسم من مارق إلى مارك؟ فالسبب هو أنني شعرت بأنه عندما أحضر بعض الاجتماعات ومن ثم يأتي بعض الإخوان ليقدمني باسمي الكامل أجد هذا المقدم يخجل ويتردد عندما يحاول أن يلفظ الحرف الأخير، ولكي لا أحرج إخواني اضطررت أن أبدل القاف بالكاف، بحكم أن الحرفين قريبين من بعضهما وذلك في عام 1371ه-1951م، وكم كنت أتمنى أنني بدلته لكي يحمل معنى من المعاني العربية أما الكاف فإنه لا يحمل أي معنى. قال بعضهم "ان فهد المارك حين كان يعمل في السلك الدبلوماسي لم يكن ليجد حرف القاف في جهاز البرقية فكان ذلك إحدى دواعي تغييره للاسم" ، كما قيل ان ذلك تم بنصيحة من بعض العلماء ولا شك أن رواية فهد المارك نفسه كافية لإيضاح ما استشكل عند البعض لاسيما وأنها وردت بقوله وبكتبه وقد كررها عدة مرات، ويذكر أن علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر – رحمه الله - قال له ذات مرة "إن اسم أبيك قد يكون المروق الذي يراد به التخلص من السوء" ، فاستحسن ذلك وربما أنه كان إحدى أسباب أسفه على تغيره. مؤلفاته كان للمارك مؤلفاتٌ عديدةٌ بعضها مطبوع متداول، وبعضها ما يزال مخطوطاً لم يرَ النور، ومن أشهر مؤلفاته المطبوعة: "من شيم العرب"، يقع في أربعة أجزاء، نال شهرة كبيرة وواسعة جداً حتى خارج المملكة العربية السعودية، وقد كانت الطبعة الأولى له في دمشق سنه (1375ه) وكتاب "افتراها الصهاينة وصدقها العرب" وجاء في الطبعة الثالثة سنة (1385ه) ويحكي عن كذبة بيع الفلسطينيين أراضيهم لصالح تجار اليهود، وكتاب "سجل الشرف أو ذكرى الخالدين" ، طبع في بيروت سنة (1385ه) يذكر فيها أسماء الشهداء في مختلف المعارك في فلسطين، كما يذكر فيه أسماء المتبرعين بالمال للمجاهدين، وكتاب "صدى زيارة شبل الجزيرة إلى سورية"، عبارة عن رصد لما قالته الصحف عن زيارة الملك سعود بن عبدالعزيز – رحمه الله – حين كان ولياً للعهد، وكتب أخرى ك (صدى زيارة شبل الجزيرة إلى لبنان وكيف ننتصر على إسرائيل ولمحات من التطور الفكري في جزيرة العرب في القرن العشرين وهكذا يكون الإصلاح وهكذا نصلح أوضاعنا الاجتماعية وفهد بن سعد ومعرفة 30 عاماً والهدامون والبناؤون وبين الفساد والإصلاح)، أما كتبه المعدّة للطباعة وفي حكم المخطوطة فهي: (تاريخ جيل في حياة رجل – جيل يتهم جيلاً – الجهاد الصامت - مقاومة المقاومة – من الطفولة إلى الكهولة – من لا حاضر له لا ماضي له – أيام في الجزائر الثائرة – من ثوار 14 تموز – من شيم العرب ج5 - العصامي الذي بنى مجداً لذويه – من وحي الواقع (شعر – كيف هُزمنا)، ويقول في كتابه الشهير "من شيم العرب": ونحن إذ نفتخر بكرم حاتم ونترنم بوفاء السموأل ونعتز بحلم الأحنف، ونتباهى بشجاعة عنترة، فإننا نؤكد بهذا السفر بأن شيم العرب الأصيلة، لم تدرس – لم تزل - ولم ينطمس أثرها بذهاب أولئك القوم. وفاته بعد مشوار طويل مع النضال والحضور الثقافي والدبلوماسي والإعلامي، نشرت وسائل الإعلام في كافة أصقاع العالمين العربي والإسلامي خبر وفاة المناضل الكبير فهد المارك في العشرين من شهر جمادى الأولى عام 1398ه الموافق 28/4/1978م وهو الذي كان طيلة حياته مطاردا من الاستخبارات المعادية حيث توفي رحمه الله أثناء مداولات اتفاقية "كامب ديفيد" التي لطالما وقف ضدها بضراوة، وقدر الله سبحانه أن يتوفى قبل إبرامها وإتمام عهودها، رحمه الله رحمة واسعة. كتابه عن زيارة الملك سعود لدمشق حين كان ولياً للعهد فهد المارك - رحمه الله- المارك مع إبراهيم السبهان والده (مارك)الثالث من اليمين شارع فهد المارك في مدينته حائل مدخل مدينة طولكرم باسم فهد المارك تقديراً لجهوده شارع باسم فهد المارك في حي الواحة بالرياض إعداد - منصور العساف