قبل أيام عدة احتفل بمدينة طولكرم الفلسطينية بإطلاق اسم فهد المارك رحمه الله على أحد شوارعها بالمدخل الجنوبي للمدينة بحضور عدد من المسؤولين في المدينة. وهذا الاحتفاء والتكريم عنوان نبيل ووفاء وعرفان واعتراف وتقدير بالجهود المعنوية والمادية والكفاح والنضال للقضية الفلسطينية الذي قام به المواطن السعودي والمفكر العربي والأديب المتفنن فهد المارك رحمه الله وعفا عنه. وهذا الحدث لا شك أنه يفرح ويبهج كل إنسان عربي مسلم وكل مواطن سعودي عرف فهد المارك من خلال كتبه ومؤلفاته المتعددة الأغراض والميادين، فشهرة شخصية المارك ليست قاصرة على المملكة وفلسطين بل هي ممتدة في أرجاء العالم العربي. وهذه الشخصية لم تغب عن بال قادة هذه البلاد الطيبة فهم عرفوها حق المعرفة وخبروا وطنيته وتفانيه في سبيل قضايا العالم العربي وعلى الخصوص قضية فلسطين فهم لم يدخروا وسعاً في توجيهه ودعمه بكل ما فيه خير هذه القضية وغيرها من القضايا بداية من الملك الراحل عبد العزيز رحمه الله تعالى الذي أصدر أمراً بتعيينه ملازماً وأصبح بعد هذا فهد المارك هو المؤسس لفوج المتطوعين السعوديين في حربه ضد اليهود سنة 1367 – 1948م. والملك سعود رحمه الله عندما عرض عليه المارك بعضاً من الآراء والمقترحات حول كفالة أطفال الشهداء المتطوعين وكذلك ضم المتطوعين الذين حاربوا في حرب فلسطين إلى الجيش السعودي واستضافة جميع الضباط والقادة من جميع المجاهدين في جيش الإنقاذ وأن يكونوا ضيوفاً من ضيوف المملكة بتأدية حج بيت الله الحرام فما كان من الملك سعود إلا بالموافقة. ثم الملك فيصل رحمه الله فقد قربه إليه وكان بمثابة المستشار الأمين عند جلالته والذي لم يبخل في مساندة هذه الشخصية الوطنية الفذة في جل مساعيه في القضية الفلسطينية ثم أصبح دبلوماسياً في سفارات جلالته . وكذلك الملك خالد رحمه الله وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز فهم قدروا المارك ورأوا فيه كل مقومات الوطنية والإخلاص لقادته والتضحية والحب المقدس لوطنه والمثل العليا في شخصه وسلوكه فكانوا له عوناً دائماً. ولا يزال فهد المارك رحمه الله في ذاكرة القيادة الحكيمة في هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز. فالقيادة العليا الرشيدة لم تنس هذا العلم الشهير فقبل عشرين سنة تقريباً أطلق على أحد شوارع الرياض شمال طريق خريص وغرب قصر خادم الحرمين الشريفين اسم فهد المارك على هذا الشارع، وهذا عندما بدأت أمانة مدينة الرياض بترقيم وتسمية شوارع وميادين وممرات مدينة الرياض وهناك شارعان باسم المارك بمدينة الدمام وحائل وهذا لا شك بتوجيه من القيادة وهنا أنقل كلمات وفائية لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع في شخصية المارك وفي غاية العمق في معرفة الرجال ومواهبهم وشيمهم وتدل دلالة كبيرة على أن المارك شخصية راسخة في أذهان القيادة مهما طال الزمن يقول سموه. ويعد الأستاذ فهد المارك من رجال الملك عبد العزيز المخلصين له ولبلاده وقدم جهوداً طيبة لخدمة وطنه وقضايا أمته العربية والإسلامية متبعاً في ذلك توجيهات قادة بلاده ومتوسماً منهجهم وسياستهم..". قال هذا سموه حفظه الله في تقديمه لموسوعة من شيم الملك عبد العزيز للمارك. المارك رحمه الله تعالى هو شخصية كانت لها الريادة والسبق في ميادين الكفاح في القضية الفلسطينية فهو أول من أسس فوج المتطوعين في حرب 1367ه ضد الصهاينة وقبل ذلك كان أفراد المتطوعين السعوديين متفرقين فجمعهم على راية واحدة وصف واحد وشارك في معارك كثيرة ضد الصهاينة المعتدين ونرجو أن الله يكتب له أجر الشهادة في سبيل الله عز وجل. وقد كان يتمناها رحمه الله فالذاكرة الفلسطينية الماضية والحاضرة لا تستطيع محو ونسيان هذه الشخصية وهل يستطيع أحد أن يمحو المنقوش في التاريخ؟! فهو من الأسماء الخالدة في العالم العربي ويستحق أن تنشأ باسمه جامعة في فلسطين وليس شارعاً فقط ولا أعلم أن هناك شخصية كفرد سعودي قدّم مثل ما قدّم البطل فهد المارك للقضية الفلسطينية. فالمارك يشهد له بذلك ماضية العريق والمشرف ومواقفه الشجاعة بدون مبالغة أو صنع أبطال بدون بطولات والقيادة الحكيمة لها دور فعال في دعمه المعنوي والمادي التي كانت السند للمارك وهو يعد نفسه رحمه الله جندياً من أبناء هذا الوطن تحت راية قادة هذه البلد وحكومته. فالمارك أوقف طاقته ووقته وصحته وماله وجاهه وعلاقاته المتعددة كلها لأجل فلسطين ونرجو الله أن تكون في موازين حسناته. إن إطلاق اسم شارع في فلسطين لفهد المارك ليس بمستغرب وإن كان القائمون يشكرون على هذه المبادرة التاريخية، لكنني أقول أين الباحثون والعلماء من أبناء فلسطين الذين يملؤون العالم عن جهاد وجهود فهد المارك نحو فلسطين فهو يستحق إعداد عشرات الرسائل من الماجستير والدكتوراه. لقد سخر المارك قلمه لفلسطين وقلما تجد كتاباً ألفه المارك إلا وفلسطين لها نصيب في صفحات هذا الكتاب ، هذا فضلاً عن المؤلفات التي أفردها لقضية فلسطين وأشهرها عند قراء العالم العربي كتابه النادر والأعجوبة (افتراها الصهاينة وصدقها مغفلو العرب) الذي طبع خمس طبعات الذي ادعو المسؤولين في السفارة الفلسطينية بالمملكة إلى طباعته وترجمته إلى جميع اللغات الحية ليعرفوا حقيقة زيف مقالة الصهاينة بأن أهالي فلسطين باعوا أراضيهم لليهود!! أما الكتب الأخرى عن فلسطين فهي لا تقل أهمية وصدارة عن هذا الكتاب ومنها (كيف ننتصر على إسرائيل؟) وكتاب (لن نهزم إسرائيل عسكرياً قبل أن نهزمها إعلامياً في أمريكا). فلم يغفل أي وسيلة إعلامية إلا وكتب فيها عن كارثة فلسطين، إن فهد المارك رحمه الله يستحق الكثير منا كشعب عربي مسلم فإذا لم تعرفه هذه الأجيال فواجب علينا كإعلاميين التعريف به والإشادة دائماً بنضاله المجيد والمشرف والذي يفخر به كل مسلم عربي. وبالأخص الشعب السعودي فهو منهم عاش في هذه الأرض كريماً واثقاً من نفسه ومات على أرضها وفي نفسه وأنفاسه قضية فلسطين. لقد حاز المارك رحمه الله تعالى المجد في الدنيا لأنه كانت له أهداف نبيلة وسامية وذات رفعة وشرف وعظمة وقد حقق الكثير منها ونال مكانة طيبة وكبيرة لدى قيادته وأصبح أحد المفكرين والكتّاب العرب الذين يكتبون من ضمائرهم الحية وليس لأجل الشهرة والمال أو مأرب أخرى فهو من الكتاب الذين نذروا أنفسهم للكلمة الصادقة التي تدعو إلى الفضيلة والإصلاح في جميع مجالاته وفي شتى القضايا والذي يقرأ كتابه (الهدامون والبناؤون) سوف ينبهر من هذا الفتح الفكري والأدبي والفلسفي والتنظيري فهذا الكتاب يخاطب جميع كتاب العالم على مختلف مشاربهم ومذاهبهم واعتقاداتهم فليس مقصوراً على كتّاب لغة الضاد بل لجميع اللغات المكتوبة، وياليت مراكز الترجمة في العالم العربي أن تترجمه فهو بحق من الكتب العالمية ، ولو ترجم مثلاً للغة الإنجليزية لأقبل عليه الكثير من الكتاب في الغرب لأنه يصلح أن يقرأه كل إنسان ولا شك أن هذه هي العبقرية وغاية الإبداع التأليفي والفكري، إنها مواهب متعددة في شخصية المارك وليس كما يظنه البعض أنه كاتب في الأدب المحلي وحسب بل هو يستطيع أن يكتب في شتى الميادين الأدبية والفكرية وأعظم دليل وبرهان كتابه هذا (الهدامون والبناؤون) ، هذا فضلاً عن كتبه غير الأدبية فهو أديب ومؤرخ ومفكر وراوية للشعر الشعبي ونستطيع أن نقول إنه متعدد المعارف والمعلومات بل هو موسوعة ثقافية. وإذا تكلم في أحد المجالس فإنه سيد هذا المجلس فهو يتدفق كلامه كالنهر المنهمر الذي لا يتوقف ويجبرك على الاستماع عليه بجاذبية ومغناطيسية. لقد رحل المارك كشخص وبقيت ذكراه العطرة في قلوب محبيه وعارفيه وأصدقائه والذين لم يعرفوه لكنه سمعوا عنه كل شهامة ومروءة أو تعرفوا عليه من خلال مؤلفاته التي تصدرت المكتبة السعودية. وأرجو من الله عز وجل أن يهيئ لي الوقت في إعداد كتاب ودراسة عن حياته. رحم الله المارك وأسكنه فسيح جناته.