يقصد بالتنمية العمرانية الارتقاء بالبيئة وتوفير الاحتياجات الأساسية للسكن والعمل والخدمات المجتمعية وعناصر الاتصال وشبكات البنية الأساسية وذلك في إطار محددات المكان وضوابط القيم الاجتماعية والثقافية والموارد المحدودة دون التصادم مع البيئة الطبيعية أو إهدار مواردها. وترجع أهمية التنمية العمرانية ومكانتها الى كونها تحتل المرتبة الأولى في حجم الاستثمارات إضافة الى أنها تستحوذ على اهتمام كبير داخل المجتمع. وتأتي أهميتها من كونها المحرك الرئيس لكثير من الأنشطة الاقتصادية الأخرى والصناعات المرتبطة بالبناء والتشييد والعمران، فالتنمية العمرانية للمدن من العمليات الضرورية التي ترعى كيان المدينة في جميع مراحل نموها، لتكفل لها نمواً متوازناً مع نموها الاقتصادي والاجتماعي، ومتوافقاً مع ظروفها البيئية والعمرانية، وإمكاناتها المحلية المتاحة، واحتياجات السكان بها. ويجب أن تأخذ عملية التنمية العمرانية أبعاداً ورؤى جديدة من خلال تغيير مفهوم التنمية، ووضعها في إطار إستراتيجية تقوم على فكر متطور ونظرة تتصف بالشمولية تضمن تحقيق تنمية عمرانية متوازنة في المدن، ويعتبر تأمين المسكن وتهيئة البيئة السكنية الملائمة من أهم دعائم التنمية العمرانية, إذ ظل المسكن عبر العصور رمز الاستقرار والأمان, ويميل الإنسان بطبعه وغريزته الى حب تملك المسكن حتى يشعر بالراحة والاطمئنان على حياته وحياة أفراد أسرته. وفي العصور الحديثة سعت الحكومات الى وضع الخطط والبرامج المتنوعة لمعالجة قضايا الإسكان والبئية المرتبطة بها, وأضحى مؤشر بيع المساكن وتأجيرها وتداولها من المؤشرات الرئيسية التي يقاس بها مدى قوة الاقتصاد الوطني، ومدى حيويته مثل مؤشرات البطالة ومعدل الخل والإنتاج، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية. وهناك العديد من التجارب العالمية الناجحة في مجال الإسكان وتعتبر «التجربة السنغافورية» من التجارب الرائدة في هذا المجال إذ بدأت من الصفر في ظل إمكانيات متواضعة جداً، وهي جديرة بالدراسة والاستنساخ الى عالمنا العربي، ونحن في المملكة لدينا العديد من التجارب الموفقة التي يفترض تعزيزها وتطويرها وتطبيقها على أكثر من جهة ووزارة خصوصا وزارة الصحة والتعليم، وغيرها كتجربة شركة أرامكو السعودية، والهيئة الملكية، في الجبيل، وينبع إضافة لتجارب عدة في القطاع الخاص. من المهم أن لا يقتصر الأمر على وزارة الإسكان إذ أن الوزارة دخلت في الموضوع بعد سبات طويل، ومن خلال الإمكانيات الهائلة والميزانيات الضخمة التى أقرتها الدولة لها، من خلال كل ذلك توقعت انها أمسكت بالعصى السحرية، وأنها قادرة على حل المشكلة بين ليلة وضحاها، ويبدو أنها استغرقت جل جهدها في التنظير والمسوحات والإحصائيات واختراع آليات وإجراءات بيروقراطية مطولة لا توصل الى نتيجة فعالة، واستعدت كل الأطراف المؤثرة في العملية بما فيهم طلاب الوحدات السكنية -خصوصا الذين يمثلون الشريحة المحتاجة-, كما أنها لم تكسب الى جانبها المطورين العقاريين، بل حاول البعض إظهارهم وكأنهم ذئاب تنتظر الفريسة، ومازال الجرح ينزف دون أن تقدم وزارة الإسكان سوى بعض المسكنات الموضعية المتواضعة، فمشاريعها المنجزة كانت بدائية في التصميم، ومتدنية في الجودة، ومتواضعة في مستوى التنفيذ، ومرتفعة في التكلفة عكس ما كانت عليه مشاريع وزارة الإسكان في بداية الثمانينيات، إذ كانت ذات جودة عالية، وربما كان تصميمها لا يتناسب مع متطلبات الأسرة السعودية أنذاك. وللحق فإن وزارة الإسكان حاليا، ممثلة في وزيرها معالي م. ماجد الحقيل أعادت الحسابات وجاءت بروية أكثر واقعية، وهي ربما تحقق نجاحات مثالية فهي تسعى الى اشراك جميع الأطراف، وهناك العديد من المبادرات الممتازة التي تصب في هذا الشأن ونتوقع منها المزيد خصوصا أنها تعمل على عدة محاور سواء مع وزارة المالية ومؤسسة النقد لتقليل نسبة 30%؛ لتكون تحت متناول معظم شرائح المجتمع بالإضافة الى تواصلها مع المطورين العقاريين لعقد شراكة استراتيجية معهم للمساهمة بحل قضايا ومشاكل الإسكان في مدن المملكة, فلو رجعنا الى الوراء قليلاً فسنرى أن الغالبية العظمى من المساكن والأحياء الجديرة تم تطويرها وبناؤها من قبل المطورين العقاريين السعوديين، وهم بالمناسبة نفذوا الكثير من المشاريع الإسكانية في الكثير من الدول العربية ودول الخليج خصوصاً مدينة دبي وهي مشاريع متميزة, ولا شك أن منتجات القطاع الخاص تتفاوت في مستوها وجودتها وكثير منها متدنٍ في الجودة، وذلك بسبب غياب الضوابط المنظمة لذلك والتشريعات الملزمة، وعدم مراعاة مفهوم الإشراف الهندسي وتطبيقات كود البناء، وهي بلا شك بحاجة الى تفعيل حتى نرتقي بمستوى المنتجات السكنية. إن خلاصة القول إننا ندعو وزارة الإسكان الى مد يد التعاون مع المطورين العقاريين حتى يسهم الجميع في معالجة هذه المشكلة فالتنمية عبارة عن عملية مشتركة بين القطاع العام والقطاع الخاص، إذ لا يمكن ان تنطلق بطريقة نموذجية، إلا من خلال التعاون والتكامل؛ لذا يجب أن تكون هناك رؤية تنموية شاملة مشتركة أو متوافقة لتطوير مفاهيم الشراكة الحقيقية، ويجب أن يكون للقطاع الخاص نظرة قوية ومتطلعة ومنفتحة للتطوير والتنمية العمرانية. * رئيس مجلس إدارة شركة آل نوح العقارية