شاب مفعم بالطموح والتطلعات الكبيرة، ترمق في عينيه بريق الأمل والتطلع لتحقيق النجاحات، يدلف إلى مكتبه كل يوم والآمال المتتالية تدفعه نحو المضي قدماً في مشروعه الصغير، وما بين الطموح الكبير نحو تلك الأهداف التي في مخيلته، وبين غياب الخبرات التي يمكنه أن يتكئ عليها عند اتخاذ القرارات الحاسمة، والتي يفترض أن تحقق تلك الأهداف، تبقى نتائج قراراته تلك محفوفة بالمخاطر الكبيرة، فكم قرار جريء اتخذه شاب على حين غفلة أفقده مشروع العمر، وكم من قرارات أخرى اتخذها شاب آخر حلقت بمشروعه في فضاءات التوسع والنمو. ترى لماذا يصر الشبان على أن ينفردوا بإدارة مشروعاتهم بأنفسهم رغم حداثة سنهم، ورغم عدم تمتعهم بالخبرات الكافية؟ هل هو الاندفاع الذي تمليه المرحلة العمرية التي يمرون بها، أم أنها القناعات الكبيرة والثقة الزائدة التي تدفعهم إلى ذلك؟ وما ضرهم لو أنهم استعانوا بذوي الخبرات في الإدارات المهمة كالمالية والموارد البشرية من أجل الضبط والسيطرة على جموح بعض القرارات المصيرية في عمر المشروع، وهل يتحرج الشباب فعلاً من إدارة من هم أكبر منهم سناً مما يجعلهم يعمدون إلى تعيين جل الموظفين من الشبان. أهم من الخبرة بداية أكد د. عبدالرحمن الشمري - أستاذ مساعد ورئيس قسم الإدارة العامة بجامعة الملك سعود- أن الخبرة سلاح يتسلح به من يريد إنشاء مشروع خاص، مشدداً على أن الخبرة المطلوبة لا بد أن تكون مسبوقة بالمعرفة، وقال: بدون المعرفة تتحول الخبرة إلى خدمة، وإدارة المشروعات الخاصة عمل يتطلب الخبرة لكن، هناك ما هو أهم من الخبرة وهي رأس المال والمهارات والقدرات بالإضافة إلى المعارف التي يجب أن يتمتع بها صاحب المشروع وقدرته التواصل مع الآخرين. وأضاف: الشاب الذي يريد إنشاء مشروعه الخاص عليه أن لا ينتظر حتى يكتسب الخبرة اللازمة لأن من أسباب نجاح المشاريع هو أن تكون الفكرة جديدة ولو انتظر الشاب حتى تكون لديه الخبرة الكافية فقد تطير الطيور بأرزاقها لذلك الخبرة مطلوبة لكن هناك ما هو أهم منها. وحول الاستعانة بموظفين ذوي خبرة قال: أعتقد أن هذه نقطة جوهرية، فمن الممكن للشاب أن يستقطب ذوي الخبرة ليستفيد من خبراتهم ويتعلم منهم كنوع من التدريب على رأس العمل حتى يكتسب الخبرة الضرورية بنفسه وخصوصا أنه سيواجه مشاكل وأزمات يحتاج إلى معرفة كيفية التعامل معها وكيف تم التعامل مع حالات سابقة في منظمات أخرى. وبين أن الأخطاء جزء من العمل، وقال: من لا يعمل لا يخطئ وطبيعة العمل في مجال الأعمال تتطلب المخاطرة ولكنها المخاطرة المحسوبة، وأضاف: إن السن التي يتمتع فيها الشاب بخبرة كافية تعتمد على وقت بدايته للمشروع فهو يحتاج من 5- 10 سنوات ليتمتع بالخبرة الكافية، خصوصا في ظل كونه على قمة الهرم الإداري لأنه في نهاية هذه المرحلة يكون قد ارتكب بعض الأخطاء وتعلم منها وكلنا نعرف أن الأخطاء جزء من العمل لكن الاستفادة من الأخطاء والتعلم منها وعدم الوقوع بها مرة أخرى هي الأهم. وضوح الرؤية من جهته أكد عبدالرحمن الدايل - مستشار في تطويرالمنظمات وإدارة المشروعات والمهتم بريادة الأعمال- أن المشروعات التي يبدأ بها الشباب رحلة العمل التجاري الخاص يشوبها كثير من المحطات التي قد تفاجئ ذلك الشاب، مبيناً أن غياب الخبرة لدى الغالبية العظماء من الشباب الذين يبدأون بمشروعهم الأول لا تعني بالضرورة غياب الرؤية لدى أولئك الشباب، لكنها قد تحد من سلامة بعض القرارات المهمة التي يتخذونها. وأضاف: يأخذ الطموح والاندفاع الشاب دائماً إلى المضي قدماً في اتخاذ القرارات في منشأته التي بدأ بها حياه العملية، وينتابه الشعور بالثقة الكبيرة كونه صاحب القرار الأول في هذه المنشأة مهما كان حجمها، وبالتالي فإنه في الغالب يتخذ قراره بمعزل عن أي أحد يمكن أن يقدم له النصح أو المشورة، وحتى لو كان والده رجل أعمال فإن الشاب دائماً ما يحاول أن يتحرر من رأي والده كموجه يملي عليه منذ الصغر، وهذه ردة فعل لطريقة التربية التي لا تمنح للشاب منذ طفولته أي حرية في اتخاذ قرار يخصه حتى في اختيار لباسه أحياناً، مما يجعله في مرحلة الشباب يشعر بأهمية الاستقلالية، ويحاول أن يتخذ قراراته بعيداً عن أي حد. وأضاف: في مسألة الأعمال فإنني أرى أن الشباب في إدارة مشروعاتهم ليس سواء، فمنهم من يحتاج أن يستشير أهل الخبرة بشكل مستمر، ومنهم من يملك رؤية واضحة قد تجنبه اتخاذ بعض القرارات التي تحتاج إلى رؤية خبير في مجال الإدارة والأعمال، وأستطيع القول أنه من الحكمة أن يؤمن الشاب بالتخصص، وأن يسلم الإدارات المهمة في منشأته لقيادات متخصصة تملك الخبرة الجيدة لتكون له عوناً في اتخاذ القرارات السليمة، وهنا أود أن أشير إلى أن الإدارات المؤثرة في المنشأة مهما كان حجمها هي تلك التي تشارك في صناعة قرار يحظى بمناقشة قيادات تلك الإدارات بغية توضح الهدف الذي سيتم اتخاذ القرار بشأنه. وأكد الدايل أن أغلب المشروعات العملاقة اليوم هي بدايات بسيطة لشبان نجحوا واستمروا يحصدون النجاحات المتتالية وليس بالضرورة أن يكونوا قد بدأوا خبراء، وقال: إن التخطيط الجيد، ووضوح الرؤية هما المحك، وإذا ما اقترنت هذه المميزات مع الخبرة سواء كانت خبرة صاحب المشروع أو خبرة تتوفر في قيادات فريق العمل، فإن ذلك سيمثل مساراً ناجحاً لأي مشروع، ويمكن في بدايات المشروعات الخاصة الاستعانة بدراسات الجدوى، وهي مؤشر مهم لفرص نجاح المشروع في بدايته، لكن بعد الانطلاقة، على الشاب أن يكون قادراً على اتخاذ القرارات السليمة من خلال فهم مسار المشروع، وتقييم المرحلة التي يمر بها، وإمكانياته المادية في تلك المرحلة. التجارب أهم التجارب والخطأ أحياناً هما أفضل الخبرات التي يمكن للشاب أن يتعلم منها كما يرى ذلك طلال السبيعي الذي شق طريقه مبكراً من خلال وكالة للدعاية والإعلان في تجربة تجاوز عمرها العشر سنوات، ويؤكد طلال أن الشاب الطموح لن ينتظر طويلاً حتى يكتسب الخبرات المتراكمة من خلال عمله في مكان ما، وإنما عليه أن رأى في نفسه ثقة ودفعه الطموح فإن عليه المبادرة والمضي قدماً دونما تردد أو خوف. وأوضح السبيعي أن الخبرة تمثل أهمية كبيرة في جميع مناحي الحياة، وفي قطاع الأعمال تمثل أهمية بالغة، إلا أنني أرى أن اكتساب الخبرة من خلال الممارسة المباشرة من خلال اتخاذ القرارات والعمل ثم الخطأ أو الصواب هي من أسرع وأنجع طرق اكتساب الخبرة في الحياة العملية، ذلك أرى أن ممارسة العمل بحرية وبقرارات متحررة من أي ضغوط كون الشاب مصدرها وبحكم أنه يقرر في مشروعه الخاص، فإن تلك القرارات تكون غالباً شجاعة، وإذا ما كانت خاطئة مرة فإنها لن تكون خاطئة في كل مرة. وأضاف: هناك فرق بين العمل بثقة ورؤية وبين الاندفاع غير المدروس، فأغلب الشبان الذين يتسرعون في بعض القرارات أو الذين يتخذون خطوات تفوق امكانيات مشروعاتهم هم في الواقع مندفعون تحت تأثير الطموح وحب النجاح، وأي خطأ سيترتب على قراراتهم تلك سيكون مرده أنهم اكتسبوا خبرة من دروس قاسية، مما يعني أنهم لن يخطئوا ذات الخطأ مرة أخرى. وحول أبرز أخطاء الشباب في إدارة مشروعاتهم من وجهة نظره، قال: أعتقد أن الطموح والتسرع في تحقيق النجاحات هما أكثر الأمور التي قد تواجه الشباب في بداية مشروعاتهم التجارية، إضافة إلى سوء تقديرهم أحياناً لبعض المشروعات والتي كان عليهم قبل الدخول فيها دراستها بشكل كاف، وكل ذلك يحدث تحت ضغط الرغبة الملحة للنجاح وأن يكبر المشروع الصغير، وهي غايات مشروعه كل من يعمل في التجارة يطمح إليها، لكنها في الواقع لا تتحقق بسهولة في أغلب الأحيان. وأضاف: بعد 10 سنوات من العمل في مشروعي، أستطيع القول أن الطموح والرغبة في النجاح يجب أن تكون أكبر من رهبة الخوف من التوسع، وأن أي قرارات يتخذها الشاب مهما كانت نتائجها فإنها في نهاية الأمر مكتسب حقيقي يتعلم منه الشاب في المرات المقبلة ولكن يجب ألا يكون الطموح والاندفاع سبباً لاتخاذ قرارات تحمل الكثير من المجازفة. الثقة بالنفس رامي المرهون، شاب بدأ مشروعاً مع بعض زملائه، وتفرغ لإدارة المشروع المتمثل في تقديم خدمات الطباعة ثلاثية الأبعاد، وعلى الرغم من أن الفكرة جديدة، وقليل من عامة الناس من يعلم عنها، إلا أن الطموح والاندفاع والرغبة في النجاح جعلت رامي يعطي كل وقته للمشروع الذي بدأ يجد قبولاً كبيراً حسب تأكيده. وقال: الطموح والمثابرة كافيان لتحقق أي هدف كان، والخبرة تكتسب مع الوقت، فإذا كنا سنبقى أسرى لمسألة الخبرة لما بدأنا مشروعاتنا حتى نكتسب تلك الخبرة التي تتوقف أهميتها على مستوى ما قد نمارسه من عمل ومستوى ونوعية ذلك العمل، وهي أمور قد لا يعني بالضرورة أن تمدنا بالخبرة الكافية في فترة وجيزة. وحول عزوف الشباب عن الاستشارة، وخاصة استشارة الوالد قال المرهون:أنا شخصيا استشرت أبي (وهو رجل أعمال) في الخطوط العريضة للمشروع، أما التفاصيل وكيفية العمل، فقد اكتفيت بالنقاش والدراسة والاتفاق مع شركائي، ولا شك أن الاستشارة على الأقل في بدايات المشروع تعد أمراً مهماً خاصة بالنسبة لشاب لم يسبق له خوض التجربة من قبل، لكن عليه في ذات الوقت أن يتحلى بالثقة بالنفس والإيمان بفكرته التي يرى أنها ستنجح. وحول استقطاب موظفين من ذوي الخبرات، وما يراه الشباب أن في إدارتهم شيئا من الإحراج نظراً لكونهم يكبرون صاحب المشروع في السن، قال: في مشروعنا، هناك موظفون اكبر منا، ونستفيد من خبراتهم ، ونديرهم بالصداقة والزمالة أكثر من الإدارة التقليدية التي تمارس السلطة، وفي الغالب الموظفين أصحاب الخبرات نادراً ما يصطدم معهم صاحب المشروع لأنهم في الغالب ملتزمين، ولديهم دراية وقناعة بأهمية الإنتاج والعمل بغية نجاح المشروع، لكنني بالعموم أتفهم الإحراج الذي قد ينتج عن توظيف الشباب لكبار السن لكن في النهاية المشروع يملك خبرات كل من فيه وطموحهم ومثابرتهم. تجربة ثريا النديم، شابة بدأت حياتها العملية كموظفة، لكنها ما لبثت أن بدأت مشروعها الخاص في سعي حثيث نحو النجاح ولإنجاز، وترى أن إدارة المشروعات بالطموح فقط من دون الخبرة، يعد امراً صعباً وليس سهلاً بالفعل، ولكن غياب الخبرة يجب أن لا يمنعنا من بدء المشروعات وجعلها على ارض الواقع، وما انصح به هنا اكتساب الخبرة من اي جهة ممكن أن نراها مفيدة لنا ولطموحنا ومشروعاتنا. وأضافت أن غياب الخبرة يمكن ان يؤثر كثيرا على المشروع وقد يعرقل طموحنا في تحقيق النجاحات، فمثلاً عندما بدأت مشروعي الصغير كنت قد اكتسبت القليل من الخبرة، وتوقعت ان هذا القدر يكفيني لتحقيق مشروعي، ولكن عندما بدأت في التنفيذ والعمل، اكتشفت ان هذا التفكير خاطئ جداً، والآن قررت البدء بالعمل مع جهة اخرى لكي أنمي من خلالها قدراتي وخبراتي لأستطيع تحقيق مشروحي على أكمل وجه ممكن. وحول عزوف الشباب عن توظيف أصحاب الخبرات، والتركيز على توظيف شبان آخرين قد لا يملكون الخبرة الكافية كذلك، قالت: الشباب لديهم الطموح والطاقة والأفكار الجديدة التي تنعش الشركات وتدعمها وتنميها أيضا، ولكن ذلك لا يمنع من وجود بعض من الكبار من أصحاب الخبرات في الشركات، كما يمكننا طلب المساعدة من المستشارين إن احتاج الأمر ولكن يجب علينا منح الشباب حقهم وفرصهم للتجربة واثبات أنفسهم في عملهم، ومع التدريب والتوجيه الصحيح سيحققون نجاحات كبيرة تنعكس على أعمالهم وتحقق طموحاتهم. أغلب المشروعات العملاقة كانت بداياتها بسيطة الرؤية الواضحة واستشارة ذوي الخبرة من أسباب النجاح عبدالرحمن الدايل د. عبدالرحمن الشمري طلال السبيعي رامي المرهون ثريا النديم