خسرت الدراما العربية قامة بحجم الممثل نور الشريف الذي رحل عن الدنيا مساء أول أمس بعد صراع مع المرض تاركاً وراءه عشرات الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية التي أثرت الحياة الفنية على مدى أكثر من نصف قرن. وكان الشريف من الممثلين المصريين القلائل الذين يتمتعون بثقافة رفيعة أهلته لإخراج مسرحيات مقتبسة من روايات أدبية، كما كان شجاعاً في تقديم عدد من المخرجين بإنتاج تجاربهم الأولى التي جعلتهم في صدارة المشهد السينمائي. ولد محمد جابر محمد عبدالله في حي السيدة زينب بالقاهرة في أبريل 1946 واختار لنفسه اسماً فنياً هو نور الشريف وتخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1967 وهو العام الذي شهد بدايته السينمائية حين رشحه الممثل عادل إمام إلى المخرج حسن الإمام للقيام بدور في فيلم "قصر الشوق" الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ. وظهرت ميول الشريف للتمثيل في سن مبكرة حيث شارك في فريق التمثيل في المدرسة وبعد التحاقه بكلية التجارة تركها والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتحمس له المخرج المسرحي سعد أردش ورشحه لدور في مسرحية "الشوارع الخلفية" للكاتب عبدالرحمن الشرقاوي كما اختاره المخرج كمال عيد للمشاركة في مسرحية "روميو وجولييت". وعلى عكس كثيرين من أبناء جيله لم تتأخر أدوار البطولة طويلاً عن الشريف إذ قام عام 1970 ببطولة فيلم "السراب" لأنور الشناوي عن رواية لمحفوظ أيضاً. وارتبط الشريف بمحفوظ في أفلام كثيرة مأخوذة من رواياته وقصصه القصيرة ومنها "السكرية" 1973 و"الكرنك" 1975 و"أهل القمة" 1981 و"دنيا الله" و"المطارد" 1985 و"قلب الليل" 1989 و"ليل وخونة" 1990. كما قام ببطولة مسلسل "السيرة العاشورية" المأخوذ عن "ملحمة الحرافيش" لنجيب محفوظ. وشارك الممثل الراحل في أكثر من 170 فيلماً كثير منها ضمن كلاسيكيات السينما المصرية ومنها "زوجتي والكلب" لسعيد مرزوق 1971 و"العار" 1982 لعلي عبدالخالق و"حدوتة مصرية" 1982 ليوسف شاهين و"سواق الأتوبيس" 1983 الذي نال عنه جائزة أفضل ممثل في مهرجان نيودلهي، كما نال جائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم "ليلة ساخنة" وكلا الفيلمين من إخراج عاطف الطيب. وكان الفن بالنسبة للشريف رسالة ومن هذه الزاوية رأى أن عليه التزاماً بتقديم جيل جديد من المخرجين فأنتج الأفلام الأولى لعدد منهم. ففي عام 1976 أنتج فيلم "دائرة الانتقام" باكورة أعمال المخرج سمير سيف وهو معالجة عصرية لرواية "الكونت دي مونت كريستو"، وصار سيف مخرجاً لامعاً وأخرج للشريف أعمالاً منها "غريب في بيتي" بالاشتراك مع الممثلة سعاد حسني و"آخر الرجال المحترمين" الذي أنتجه الشريف أيضاً. وفي عام 1980 أنتج فيلم "ضربة شمس" للمخرج الجديد آنذاك محمد خان والذي يعد حالياً وثيقة سينمائية عن بعض معالم القاهرة التي طالها التغيير ومنها ميدان التحرير. وفي عام 1988 أنتج فيلم "زمن حاتم زهران" للمخرج الجديد آنذاك محمد النجار وكان الفيلم انحيازاً فنياً وإدانة لعصر الانفتاح الاقتصادي وما يشبه العزاء للمصريين من ضحايا الحروب مع إسرائيل. لم يكن الشريف مجرد ممثل يؤدي ما يعرض عليه من أدوار بل كان لديه وعي سياسي وانحياز إلى قضايا وطنية وهو ما جسده في أفلام أخرى ومنها "ناجي العلي" الذي أخرجه عاطف الطيب عام 1992 عن رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي الذي اغتاله شخص مجهول في لندن عام 1987. وغامر الشريف بإنتاج فيلم "ناجي العلي" وقام ببطولته ومنع عرض الفيلم في مصر، كما تعرض الشريف لحملة صحافية مضادة. وقام الشريف ببطولة ما يعتبره نقاد أول فيلم مصري في مجال الخيال العلمي وهو "قاهر الزمن" الذي أخرجه كمال الشيخ عام 1987 عن رواية بالعنوان نفسه لكاتب الخيال العلمي المصري نهاد شريف. كما كرم الشريف في عدد من المهرجانات ومنها مهرجان نانت بفرنسا عام 1999 ومهرجان الإسكندرية 2014. وكان آخر أفلامه "بتوقيت القاهرة" إخراج أمير رمسيس والذي نال عنه جائزة أفضل ممثل من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي في يونيو الماضي. وكان المهرجان القومي للسينما المصرية في دورته الثالثة عشرة عام 2007 قد كرم الشريف وأصدر عنه كتاب "نور الشريف.. صائد الجوائز". وقام الشريف ببطولة كثير من المسلسلات التلفزيونية بداية من "القاهرة والناس" و"أديب" عن رواية لعميد الأدب العربي طه حسين "ولن أعيش في جلباب أبي" و"العطار والسبع بنات" و"عائلة الحاج متولي" و"الرجل الآخر" و"الدالي" و"هارون الرشيد" و"عمر بن عبدالعزيز" الذي أوصى أن تعرض حلقاته الأخيرة يوم وفاته. وللشريف تجارب في الإخراج من أبرزها مسرحية "محاكمة الكاهن" عن قصة للكاتب المصري بهاء طاهر وفيلم "العاشقان" الذي قام ببطولته أمام زوجته بوسي. فيلم «العار» أهم أعمال الراحل