والمرارة أو spleen عند بودلير كما يقول أحد النقاد Verlet أكثر إيلاماً من الموت، وذلك لأنها تمثل أقصى عذابات الزمن، التي لا نستطيع أن نتغلب عليها إلا بالتسامي الاسطاطيقي، والحياة في فردوس موهوم أو الانتشاء حتى الثمالة، والزمن هو القاتل الأغبرللحياة والفن، إنه العدو الذي لا يقاوم، وهو ما تعبر عنه هذه القصيدة من قصائد Spleen: لي من الذكريات أكثرممّا لو كان عندي ألف عام إنّ خزانة ضخمة ذات أدراج مزدحمة بتقارير حسابية وأبيات شعر، وبطاقات حب، ومحاضر، وغراميات، وضفائر شعر كثيفة ملتفة على ايصالات، تضم أسراراً أقل من ذاكرتي الحزينة الحزينة، إنها هرم، سرداب ضخم، فيها موتى أكثر من المقبرة الجماعية. إنني قبر يشمئز منه القمر، تسرح فيه ديدان متطاولة، لاتفتأ تنهش أعز الأحباء إنني مخدع عتيق مفعم بورود ذابلة، ينتثر فيه ركام من الموضات البالية، والرسوم الملتاعة وحدها ولوحات بوشيه الشاحبة تتنشق رائحة عطر مهجور. لا شيء يضاهي الأيام الكسيحة في طولها، حين يتشح السأم، ثمرة اللامبالاة الكئيبة، بأمداء الخلود، تحت ندف ثقيلة من الأعوام المثلجة. وها ما يفعله فينا الزمن أو الأعوام المثلجة، حيث تصبح الذاكرة مخزناً لليومي الراهن وللغرام المفقود، وتفاهات الحياة: الايصالات والتقارير الحسابية، والموتى والديدان بحيث يتحول الشاعر في النهاية إلى مجرد مخدع قديم مفعم برسوم ذاهلة، ولهذا فإن الزمن حقاً أكثر إيلاماً من الموت..