محمد حسن فقي يشكل رمضان تجربة روحية عميقة في الأدب العربي ومهرجانا ربانيا تحتفي به الأرواح التي تحلق عاليا فهو نفحاته شهر الرحمة والخير وقد ألهبت هذه التجربة مشاعر عديد من الشعراء والأدباء ، وسطروا بذلك شعراً خالدا في دنيا الأدب. يصف الشاعر عباس محمود العقاد هذا الشهر بأنه: "شهر الإرادة، أدبه أدب الإرادة، وليست الإرادة بالشيء اليسير في الدين، وما الخلق إلا تبعات وتكاليف، وعماد التبعات والتكاليف جميعا أنها تناط بمريد، ومن ملك الإرادة فزمام الخلق جميعا في يديه". ولعل أول ما يقفز إلى الذهن هم شعراء وأدباء صدر الإسلام والعصر الأموي. يقول كعب بن مالك -رضي الله عنه-: بنفسي، وأهلي والذين أحبهم لصومي صوم الناسكين ذوي البِرِّ فإن صمته صوم الوصال فإنني قمين بأن ألقى رضاك إلى الحشرِ وما كبت الأعداء إلا نكوصهم عن الخير ما بين المذلة والعُسرِ ولو شاء ربي كان صومي كله وصالاً فلم يصبح من العام في شهرِ أما الشعراء العباسيون والأندلسيون فأسهموا كثيرا في تسجيل مشاعرهم وعكس شعرهم عادات وتقاليد ذلك العصر من ذلك الفانوس المستخدم في هذا الشهر كقول أحدهم: ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه ولكنه دون الكواكب لا يسري ولم أر نجماً قط قبل طلوعه إذا غاب ينهي الصائمين عن الفطر أما في العصر الحديث فقد كان لرمضان حضوره في الأدب وقد استلهم الشعراء روحانيته بوصفه زمانا تورق فيه الذات المبدعة ويتحرر فيه الإنسان من آثامه وهو الذي وصف رمضان في قوله: "شهر هو أيام قلبية في الزمن متى أشرقتْ على الدنيا قال الزمن لأهله: هذه أيام من أنفسكم لا من أيامي، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغة السمو، يتعهد فيها النفس بترويضها على معاني الأمور ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح". وقال في ثنائه لهذا الشهر الفضيل: فديتك زائرًا في كل عام تحيا بالسلامة والسلام وتقبل كالغمام بفيض حينا ويبقى بعده أثر الغمام وكم من الناس كلف مشوق إليك وكم شجي مستهام ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي: يا مديم الصوم في الشهر الكريم صُمْ عن الغيبة يومًا والنميمة وصل صلاة من يرجو ويخشى وقبل الصوم صمْ عن كل فحشا أما الشاعر معروف الرصافي فيعكس شعره توقا روحيا لهذا الشهر وذلك في قوله: ولو أني أستطع صيام دهري لصمت فكان ديني الصيام ولكنني لا أصوم صيام قوم تكاثر في فطورهم الطعام غير أن الشاعر المصري محمود حسن إسماعيل قد أظهر في استقباله للشهر الكريم حوارا حميما مستجليا نفحاته حين قال: أضيف أنت حل على الأنام وأقسم أن يحيا بالصيام قطعت الدهر جوابا وفيا يعود مزاره في كل عام تخيم لا يحد حماك ركن فكل الأرض مهد للخيام نسخت شعائر الضيفان لما قنعت من الضيافة بالمقام ورحت تسد للأجواد شرعا من الإحسان علوي النظام بأن الجود حرمان وزهد أعز من الشراب أو الطعام رمضان في الأدب السعودي يتميز رمضان في المملكة بجو روحاني خاص ربما لا يوجد في غيرها من الدول؛ وذلك لاحتوائها على الحرمين الشريفين، وهما من المنزلة في قلوب المؤمنين كما تنشط الحركة العلمية في رمضان وتكثر فيها حلق العلم ويستحيل الأدب الرمضاني إلى محطات جمالية تفوح شذى وعبقا. يقول حسين عرب عن رمضان: بشرى العوالم، أنت يا رمضان هتفت بك الأرجاء والأركان لك في السماء كواكب وضاءة ولك النفوس المؤمنات مكان الشرق، يرقب في هلالك طالعاً يعنو لديه، الكفر والطغيان وبك استهام فؤاد كل موحد يسمو به الإخلاص والإيمان أما الشاعر محمد حسن فقي فيقول في قصيدة بعنوان (رمضان): رمضان.. في قلبي هماهم نشوة من قبل رؤية وجهك الوضاء وعلى فمي طعم أحس بأنه من طعم تلك الجنة الخضراء قالوا بأنك قادم فتهللت بالبشر أوجهنا.. وبالخيلاء نهفو إليه، وفي القلوب وفي النهى شوق لمقدمه، وحسن رجاء رمضان ما أدري ونورك غامر قلبي، فصبحي مشرق.. ومسائي نفسي تحدثني بأنك شافع عند المهيمن لي من الأسواء أأخا العروبة إن دين محمد بالعرب قام بهمة ومضاء أهوى بكسرى.. واستهان بقيصر واجتاح كل عبادة عمياء رمضان أسعدنا فإن سحائبا سودا تحط بأرضنا السوداء الشاعر محمد بن علي السنوسي فيشبه رمضان بالنهر من عذوبته ونقائه حيث يقول في أبياته: رمضان يا أمل النفوس الظامئات إلى السلام يا شهر بل يا نهر ينهل من عذوبته الأنام طافت بك الأرواح سابحة كأسراب الحمام رمضان نجوى مخلص للمسلمين وللسلام أن يلهم الله الهداة الرشد في كل اعتزام وتمثل قصيدة الشاعر أحمد سالم باعطب، إحدى الروائع الأدبية التي سجلت أحاسيس الشاعر عن فرحته برمضان حيث يقول: رمضان بالحسنات كفّك تزخرُ والكون في لآلاء حسنك مبحرُ يا كوكباً أعلامه قدسية تتزيّن الدنيا له وتعطّر أقبلت رحمى فالسماء مشاعلٌ والأرض فجر من جبينك مسفر هتفت لمقدمك النفوس وأسرعت من حوبها بدموعها تستغفرُ ومن ذلك أيضاً قول الشاعر والأديب عبد القدوس الأنصاري في قصيدته (ترحيبية برمضان): فأنت ربيع الحياة البهيج تُنضِّر بالصفو أوطانها فأهلاً وسهلاً بشهر الصيام يسُلُّ من النفس أضغانها وقال الشاعر علي بن محمد العيسى معارضاً قصيدة شوقي: رمضان ولّى هاتِها يا ساقي جرعات زمزم والكُتّاب رفاقي آيٌ من القرآن تشرح صدرنا وحديث من يثني على الأخلاق وقال الشاعر الدكتور عدنان النحوي: رَمَضانُ أقْبِلْ! لم تَزلْ تهفو إِلى لُقْياكَ أَحْناءٌ تئِنُّ وتُشْفِقُ رمضانيات سردية اتخذت بعض الأعمال الروائية رمضان زمانا تجري فيه الشخصيات منها: "الشمندورة" للروائي المصري محمد خليل قاسم ورواية "خان الخليلي" لنجيب محفوظ. ، كما سجل عميد الأدب العربي طه حسين بعضًا من ذكرياته في كتبه. وقد ورد في كتب الرحالة الغربيين والمستشرقين وصف لأحوال الناس وعاداتهم الاجتماعية في هذا الشهر كثير ومنهم: الرحالة الإيطالي برنار دي بريد بناخ، والرحالة الفرنسي جان باليرن، والرحالة الفرنسي فيلامون، والرحالة التركي أوليا جلبي. عبدالقدوس الأنصاري عباس محمود العقاد مصطفى صادق الرافعي