لم تعد الصياغة الركيكة والوقوع في الأخطاء الإملائية والنحوية لأسئلة الاختبارات -من قبل بعض المعلمين وأساتذة الجامعات أحياناً- هي المشكلة التي تحتاج بحثاً ودراسة لفهم أسبابها، ووضع الحلول الناجعة والمناسبة لها، بل تجاوزتها إلى الأسلوب الساخر وإثارة التعصب الرياضي بلمز فريق أو لاعب أو تصنيف المجتمع فكرياً، ورغم تعليمات وزارة التربية والتعليم بعدم تضمين الاختبارات أية أسئلة ليست تربوية تثير العصبية أو التحزب، إلاّ أنّ بعض واضعي الأسئلة يخرجون عن النص أحياناً، فيفاجأ الطلاب بأسئلة غريبة وغير معتادة، ومنها سؤال لا يعد بريئاً من قبل معلم متعصب عن العاصمة التجارية لأستراليا؟!، ولعل هذا النوع من الأسئلة -وفقاً لأخصائيين نفسيين- أوجد ردة فعل وهي الإجابات الساخرة من قبل الطلاب؛ مما يستوجب أن يكون هناك ضوابط يجب أن يلتزم بها المعلمون والمعلمات الذين يضعون الأسئلة، وإحالة المتجاوز للتحقيق وينال العقوبة التي أقرها النظام ضد استغلال أوراق الاختبارات للسخرية أوالتعصب أوالمذهبية. ننتظر محاسبة المعلم المهمل في الصياغة، ومعاقبة من يفرضون إنتمائهم على الآخرين إجابات ساخرة وأوضح "د. حسن بن محمد ثاني" -أستاذ علم النفس بجامعة طيبة- أنّ الانتماء الرياضي أو الفكري والاعتزاز بهما انتماءات شخصية يجب ألا يفرضها أحد على الآخرين، كما ينبغي احترام الانتماءات الأخرى، وبالذات المعلمين والمعلمات كونهم في موقف قيادي مع الطلاب والطالبات، وعندما يظهر المعلم انتماءه فهو يخسر أكثر مما يكسب، فأقل تقدير سيجد مجموعة ضد انتمائه الرياضي، وعندما يفرضه من خلال الأسئلة التي تلمز فريقًا آخر سيخسر عدداً كبيراً من طلابه، فهو سيظهر بصورة المتعصب، وسيجد كرها منهم وتعصبا أكثر ضده، كونه يقزم من انتماءاتهم. وأضاف أنّ الأسئلة غير البريئة والمغرضة قد لا تكون تحريرية فقط، بل تكون شفهية، فعندما يهزم فريق بأربعة أهداف يسأل المعلم المستهتر عن عدد زوايا المربع؛ ليذكر طلابه بالأهداف التي هزم بها فريقهم، وهذا ما يجعل الطلاب أكثر تمادياً وجرأة على معلمهم، فعندما يهزم فريقه مثلاً بخمسة أو ثلاثة أهداف فإنّهم يجيبون بإجابة تتضمن الرقم خمسة أو ثلاثة، وقد شاعت منذ فترة الإجابات الساخرة من قبل الطلاب ولعلها ردة فعل لأسئلة المعلمين. تأصيل الاستهتار وانتقد "محمد بن علي الذبياني" -باحث تربوي- صياغة الأسئلة من قبل بعض المعلمين، التي تنم عن تعصب رياضي لناد معين أو لاعب ما، أو أسئلة تحث على تأجيج المذهبية والنيل من الآخر، أو السخرية من مكون من مكونات المجتمع الذي نعيش فيه، لافتاً إلى أنّ بعض المعلمين قد يسوق مع ذلك أسئلة مضحكة أو غريبة لا تمت للمنهج الدراسي بأيّ صلة؛ ممَّا يؤكّد أنّ هناك نوعا من اللامبالاة أو عدم الاهتمام باختيار أسئلة الاختبارات، الأمر الذي قد يكون له مردود سيىء على مستوى الطلاب الدراسي، إضافة إلى تأصيل الاستهتار في نفوسهم تجاه جدية تلك الاختبارات. وقال: إنّ ظهرت في هذه الأيام نماذج من المعلمين لا تدرك أهمية الصياغة المتوازنة والجيدة لأسئلة الامتحانات، حيث يضعونها بشكل خال من حس المسؤولية التربوية، يتراوح ذلك ما بين سوء في الصياغة، حيث تتخللها أخطاء إملائية ونحوية، مع عدم تمكن في اختيار الأسئلة نفسها، وإغفال مبدأ المزاوجة بين السهولة والصعوبة، إضافةً إلى خلوها من فنيات اكتشاف المتميزين من الطلاب، وهذا يرجع في أساسه إلى ضعف مرتكزات بناء المعلم وإعداده في الكليات التي يتخرجون منها، لافتاً إلى أنّ بعض المعلمين قد يلجؤون إلى أسلوب تبسيط الأسئلة حتى يضمن كماً كبيراً من الناجحين يخرجه من دائرة المساءلة، فيما لو حدث عكس ذلك!، ومن المعلمين من يلجأ إلى إعادة تكرار الأسئلة لمادته كل سنة أو كل فصل، حيث إنّ أقصى ما يقوم به هو تغيير التاريخ في أعلى صفحة الأسئلة. وأضاف أنّ الادعاء بسرية الأسئلة وعدم الاطلاع عليها من قبل مسؤولين تربويين محددين في هذه الأيام خطأ يجب تجاوزه، وذلك حتى يمكن محاسبة المعلم المهمل الذي يتكاسل في الاهتمام بصياغة الأسئلة الجيدة، كما يجب على مشرفي المواد التربويين أخذ عينات من أسئلة المعلمين ودراستها، بشكل يشمل التأكّد من الأسس التربوية في وضع أسئلة الاختبارات للطلاب، مع محاسبة من يقصر من المعلمين، متمنياً أن تعقد دورات سنوية للمعلمين يتم تدريبهم فيها على كيفية صياغة أسئلة الاختبارات، مع استحداث دليل لها يحتوي على أبرز الشروط الواجب توفرها في تلك الأسئلة. محبة الوطن وأكّد "عمر الطيران" -مدير إدارة التوعية الإسلامية بإدارة التربية والتعليم بمنطقة المدينةالمنورة- على ضرورة أن يكون الاختبار بعيداً كل البعد عن المسائل الاجتهادية، التي تحتمل رأياً أو توجهاً أو انتماءً فكرياً أو تعصباً رياضياً، بل يجب أن يكون ضمن المنهج الدراسي محققاً أهدافاً تربوية وسلوكية تعزز محبة الوطن، واللحمة الاجتماعية، والولاء لولاة الأمر -حفظهم الله-، وأن تبتعد عن اللبس والغموض أو إثارة البلبلة وإرباك الطالب، مشيراً إلى أهمية الإخراج الجيد وتنظيم الورقة والطباعة الواضحة والسليمة، لافتاً إلى أنّ صياغة الأسئلة لها شروط ومعايير، حيث يجب أن لا تتأثر بذاتية المصحح، وتغطي الأهداف المهارية والمعرفية، وتكشف مستوى التحصيل خاصة قدرة الطالب على تنظيم أفكاره، والكشف عن عمق المعرفة لديه، وأن تتدرج الأسئلة من السهولة إلى الصعوبة، وأن تكون متسلسلة بشكل منطقي، وأن ترتبط ودرجاتها بالجهد المبذول في كل وحدة. معايير الاختبار وشدد "عبدالعزيز بن معلق الحجيلي" -مدير إدارة الاختبارات والقبول بإدارة التربية والتعليم بالمدينةالمنورة- على أهمية الإعداد الجيد والصياغة المتوازنة لأسئلة الاختبارات، مؤكّداً أنّه لن يقبل من أي معلم تقصير أو تجاوز، وأنه سيتم التحقيق معه وإحالته للجهات ذات العلاقة في الإدارة إذا ثبت ذلك، لافتاً إلى أنّ الاختبارات أصبحت تعنى بقياس وتقويم العملية المتمثلة في جميع الأعمال التي يقوم بها المعلم، من أجل الحكم على مستوى تحصيل الطلاب واستيعابهم وفهمهم للموضوعات التي درسوها، وهي من أهم الوسائل التي تساعد على تحقيق الأهداف التعليمية، وتعتبر قوة فاعلة تكشف عن مدى فاعلية التدريس والمناهج والكتب الدراسية. وقال إنّ وزارة التربية والتعليم وضعت اللوائح والأدلة المنظمة لها بما يحقق سلامة صياغتها ومحتواها وتطبيقها، وجعلت الإدارات جل اهتمامها بالاختبارات، من خلال وضعها ضمن خططها التشغيلية، وتكوين لجان المتابعة والتدقيق والتنسيق مع مكاتب التربية والتعليم والمدارس؛ لضمان سيرها بشكل أمثل لتحقق الأهداف التي أعدت من أجلها، وأخذ التدابير المناسبة لتلافي حدوث الأخطاء، من خلال التوعية، والتدريب، والمتابعة، ومعالجة الأخطاء بالأساليب التربوية المناسبة، وإذا حدث خلل واضح في أحد الجوانب يحال المقصر إلى الجهات المعنية ذات العلاقة. أضاف أنّه يجب على المعلمين أن يولوا الاختبارات عناية فائقة، ويأخذوا في اعتبارهم عند إعدادها التقيّد بلوائح وأنظمة الاختبارات، وبجداول المواصفات والنماذج الإرشادية المعتمدة، ومعايير الاختبار الجيد التي من أبرزها: صياغة الأسئلة بأسلوب واضح سهل، يتناسب مع سن الطلاب والوقت المحدد للإجابة عليها، كما يجب أن تتصف بالموضوعية والشمولية والصدق والثبات وأن تقيس العمليات العقلية المختلفة. قياس المنهج من جهته دعا "أ. د. علي الزهراني" -رئيس قسم التربية بالجامعة الإسلامية- إلى مراعاة عدد من الضوابط عند وضع الأسئلة، ومنها: الاهتمام بورقة الأسئلة من حيث الإخراج والتنظيم والسلامة من الأخطاء النحوية والإملائية والمطبعية، ومراعاة الترتيب النفسي لأسئلة الاختبار، بحيث يبدأ الاختبار بالأسئلة السهلة ومن أول المقرر ثم ينتقل للأسئلة الصعبة التي تقيس الفروق الفردية، مبيّناً أنّ شرط التدرج في بناء الأسئلة من الأسهل للأصعب هو أحد مواصفات الاختبار الجيد، ومناسبة الأسئلة للزمن المخصص لها. وأضاف: "البعض يضع أسئلة طويلة تزيد على الوقت المحدد وهذا يربك الطلاب ويشوش عليهم؛ حيث إنّ بعضهم قد يتأخر في الإجابة وبعض الأساتذة يطلب من الطلاب تسليم الورقة إذا انتهى الوقت"، لافتاً إلى ضرورة أن تقيس الأسئلة المقرر والأهداف المعرفية جميعها، والمتمثلة في التعرف، والفهم، والتطبيق، والتحليل، والتركيب، والتقويم، ولا تقتصر على جانب واحد، إلى جانب التنويع في أسئلة الاختبار، مع مراعاة التوازن الكمي والكيفي بين أنواع الأسئلة، سواءً كانت مقالية أو موضوعية أو مشتركة، إضافة إلى ارتباط الأسئلة بأهداف المقرر الدراسي. التعصب الرياضي منافٍ لأخلاقيات المعلم بعض الأجوبة الساخرة من الطلاب ردة فعل على المعلم المعلم المتعصب يخرج جيلاً متعصباً أ. د. علي الزهراني عمر الطيران عبدالعزيز الحجيلي د. حسن ثاني محمد الذبياني