كنت قد وعدت في مقال سابق بأني سأسرد بعضا من مشاهداتي في جنوب أفريقيا، ولكن لقرب حلول الشهر الكريم شهر رمضان المبارك، أرجأت تلك المقالات إلى وقت لاحق بإذن الله، أما موضوع اليوم فهو ما يقلقني ويقلق الكثيرين من الغيورين على هذا الدين، وهو موضوع جد هام، لأنه يمس روحانية هذا الشهر، ولأنه قد خطط له بدقة، بهدف تشويه صورة شهر رمضان، فالإعلاميون، وخاصة المشرفون على الفضائيات والإذاعات العربية والإسلامية، يتخذون من شهر رمضان المبارك، شهرا للتسلية والترفيه، البعيد كل البعد عن روحانيات هذا الشهر الفضيل، فيعملون ويخططون طوال العام على إنتاج مسلسلات ومسابقات وفوازير متردية، لا تخدم دينا ولا خلقا ولا علما ولا أدبا (في مجملها) !!، تأخذ بالناس بعيدا عن المقصد من فرض هذا الشهر الكريم على المسلمين. يقول تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم، لعلكم تتقون) ويقول تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، ففي هاتين الآيتين يبين الله سبحانه وتعالى الحكمة من فرض هذا الشهر، ألا وهي تحقيق الهداية والتقوى، ولن يتحقق ذلك بالمسلسلات والفوازير والأفلام والبرامج الهابطة التي تهدف إلى شغل الناس عن العبادة كما تهدف إلى تشويه صورة الشهر الكريم... فشهر رمضان شهر عبادة وصيام وقيام وذكر وقراءة قرآن وتقرب إلى الله بالطاعات والبعد عن الملهيات والمعاصي واجتناب ما نهانا الله عنه، لدرجة أن من يشتمك ترد عليه بقولك (إني صائم إني صائم). ومن حكمة تحريم الأكل والشرب والجماع في نهار شهر رمضان هو تعويد المسلم على الصبر وعلى طاعة وتنفيذ أوامر الله، فلماذا يعمد هؤلاء المضلون، الذين يضلون الناس، بالعمل ليل نهار، والتخطيط طوال العام، والترويج لأعمالهم الهابطة، هادفين إلهاء وإبعاد الناس عن العبادة ؟!. إن شهر رمضان شهر خير وبركة شهر أنزل فيه القرآن، شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، شهر فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، شهر النافلة فيه تعدل فريضة والفريضة فيه تعدل سبعين فريضة، والله يضاعف لمن يشاء بغير حساب، شهر العمرة فيه تعدل حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهر تتضاعف فيه الحسنات، تصفد فيه مردة الشياطين، وشهر قال فيه الله: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) ، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)... فلماذا أيها الإعلاميون، ولماذا يا مشرفو الفضائيات، لماذا تلهون الناس عن عبادة ربهم، لماذا تسلسلونهم بالمسلسلات الرمضانية، ألا يكفيكم العام كله حتى تتعمدوا الإساءة للناس في رمضان، إنكم لا تسيئون للناس فقط، بل إنكم تغضبون ربكم، فتوبوا إلى الله، وارجعوا إليه طالبين العفو والمغفرة، واتركوا رمضان ليكون شهر عبادة وتقرب إلى لله، دمروا هذه المسلسلات والفوازير والبرامج الهابطة والمنحدرة التي لن تغني عنكم من الله شيئا، واعلموا أنكم ستلاقون ربكم، فماذا ستقولون له عندما تلاقوه ؟!. ماذا ستقولون لنبيكم صلى الله عليه وسلم على الحوض؟!. هل ستقولون له ألهتنا أموالنا وأنفسنا؟!. والله لن ينفعكم شيء أمام الله، إلا عملكم الصالح... أسأل الله ألا نكون من الغافلين الذين قال الله فيهم: { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) وألا يجعلنا ممن نسي الله فينسيه نفسه، قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون)!!!... اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم بلغنا رمضان، وأعنا على صيامه وقيامه واكتبنا فيه من الفائزين....... ويا أمان الخائفين.