من العبارات الشهيرة التي اعتدنا على سماعها عبارة ( إما نكون أو لا نكون ) , ولعلنا جميعا نجد لتلك الكلمات وقعا في أنفسنا وعقولنا , وربما كانت ردة الفعل الناتجة عن هذا الوقع مشتركة أو متقاربة, وذلك متى ما تقاربت الأفكار والمعتقدات والميول والاتجاهات والاهتمامات لدينا مع الآخرين من حولنا. ولعل ترديد هذه العبارة الشهيرة وخاصة في مثل هذه الأيام يأتي تزامناً مع فتح أبواب القبول والتسجيل في الجامعات والمعاهد والكليات لأبناء وطننا الحبيب من الخريجين والخريجات , والذين يحملون في خواطرهم آلاف الأمنيات والرغبات التي تحاكي المستقبل الجميل وتعانق النجاح وتدفع به ليلامس عنان السماء. وفي غضون هذه الأحداث نجد مزيجاً من الرغبات المتداخلة ما بين ما يطمح إليه هؤلاء الأبناء وما يطمح إليه آباؤهم من قبلهم , فلكل أب حلم يخالج صدره بأن يكون ابنه طبيباً أو مهندساً أو معلماً أو قاضياً أو غير ذلك , كما نجد بعض الآباء يسعون في جد واجتهاد بأن يحقق الابن رغبة أبيه وحلمه بغض النظر عن الإمكانيات والمؤهلات والاتجاهات والرغبات التي يمتلكها الابن ذاته. مع العلم أن كثيراً من الأبناء لا يستطيعون التكيف مع اختيارات آبائهم وذلك لأسباب عديدة ؛ منها المعرفية والخاصة بقوى التحصيل القائم على الفهم والتركيز والاستيعاب بالإضافة للعمليات العقلية المختلفة , ومنها المهارية الخاصة بطبيعة إتقان المهارات المختلفة وسلاسة تنفيذها , ومنها الوجدانية الخاصة بطبيعة الميول والرغبات الكامنة لدى الأفراد. وجميع تلك الأسباب تخضع لمبدأ الفروق الفردية الربانية والمكتسبة والحاصلة بين الأفراد والتي تؤهل البعض للتعلم والدراسة والإنجاز في مجال ما دون الآخر. والجدير بالذكر في هذا المقام هو أن الانجاز والنجاح لا يأتي بمجرد وجود ( الرغبة ) للالتحاق بقسم معين أو كلية معينة أو جامعة بعينها ؛ بل ينبغي أن تكون هنالك ( قدرة ) على الدراسة والتحصيل في هذا المجال حتى تتحقق المعادلة المثمرة بكافة أطرافها. لذا من الضروري الحرص على وجود الرغبة والقدرة كفعلين متلازمين لدى الفرد ليتمكن من تحقيق أهدافه والوصول إلى تطلعاته وأحلامه. لذا فإن اختيار التخصص الجامعي يعد بمثابة مسؤولية تقع على عاتق الآباء والأبناء معا؛ وحتى يكون الاختيار صحيحا ؛ ينبغي أن يخضع لمبدأ الفروق الفردية , كما يجب أن يلازم ذلك رغبة وقدرة لدى الفرد ذاته حتى نستطيع التنبؤ بمستوى التحصيل والإنجاز وإن كان على المدى القريب ثم المدى البعيد توالياً. هذا وتعد المرحلة الجامعية أول» مراحل الانفتاح التي يفترض أن تضع الأفراد على أول الطرق المحققة للذات والمستثمرة للقدرات , فليس من المنطق مثلا أن يكون لفرد منا ميوله الأدبية وقدراته على الإنجاز فيها ثم يختار مجالا علمياً بعيداً عنها ولا يملك القدرة على الإنجاز أو التحصيل فيه , وستكون النتيجة بعد ذلك ضياع سنوات العمر وفقدان أكبر للفرص المؤهلة للمستقبل المزدهر. وعلى النقيض من ذلك نجد أن الاختيار الصائب منذ البداية يؤدي إلى غرس جيد وتحصيل عالٍ ومحصول رائع ومثمر بإذن الله تعالى. وقفة لنرتقي : - يقول المتنبي : على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم. - عن كثير بن قيس قال: “ كنت جالسا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فجاء رجل فقال: يا أبا الدرداء، إني جئتك من مدينة الرسول لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله وما جئتك لحاجة. قال: فإني سمعت رسول الله يقول : من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضى لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر “. سنن أبو داود.