الانسان المخلوق الضعيف والعجول إن انعم عليه مولاه ومعبوده بخير وتحقيق رغبة او امنية او وهبه سبحانه وتعالى وأغدق عليه وأعطاه من واسع فضله وجوده سر وفرح واستبشر وتفاءل وانتابه الاحساس والشعور وخال انه تملك الكون وصار له وحده, حراً فيه ومتصرفاً به كيف شاء وأحب وقال ربي أكرمن واغتر وغدا متعجرفا ولاهيا ويدع للوهم إليه سبيلا.. وان قتر وشح او أنقص فى رزقه وبلي بمحن ومكاره وفتن وأحداث تضنيه وتشقيه وتؤلمه وتكدر عليه الحياة وتفقده لذة النوم والسكون وتحد من رفاهيته وسعادته وراحته بسبب جحوده ونكرانه للجميل الالهى العظيم وطيشه وعصيانه وعدم أناءته وصبره, قنط وجزع وتأفف وشاط غضبا وكان جاهلا وباكيا ومضطربا وبائسا ويائسا يندب حظه ويلوم الزمان ويقول ربي أهانن, ولم يخلد فى ذهنه وفكره ونسي أن ما حل به اتاه لبعده عن الصواب والهدى وادخله على نفسه فى دهاليز الضلال وانحاز لها وذلك بتوجيه ووحي شيطانه وقرناء السوء المصاحب لهم والذين ظنهم المقتدي النافع والصالح. هذا هو الانسان رنا لملزاته وشهواته ولم يتوكل ويتجه لمعبوده يستجديه ويناجيه علا شأنه ووسعت رحمته وسبقت عذابه اشفاقا ولطفا بخلقه ليستغفروه ويتوبوا اليه ويوقنوا كل اليقين انه التواب الرحيم المستجيب والملبي لرجاء ونداء قاصديه لانه الواحد المتفرد بعباده , جل وعظم وزلت لألوهيته وخضعت لملكه الانفس والأرواح والرقاب. يا ابن أبي البشر سيدى آدم عليه السلام اعلم انك منذ مولدك والى وفاتك وانت تبحث عن شىء لم يخلقه مولاك فى الدنيا الا هو (الراحة) بل بأمره خلقها فى الآخرة ذلك علمه وسر من أسراره وحده ( فالراحة : تعني الارتياح والهدوء والطمأنينة ورضا الضمير والنفس) كما يشار بها لكف اليد من دون الأصابع والمراد والمبتغى منها الاستقرار وانزياح الهم والضيق عن القلوب وخلو الفكر والعقل مما يقلق ويتعب ويؤدى للسقم والاعياء والخضوع لوطأة الظلم والجور واستعباد المخلوقات لبعضهم والاقوى للاضعف والثري للمعدم والقادر للمعوز نستعيذ بالله الكريم منهم ومن شرورهم وأحقادهم وأذاهم وقساوتهم وضررهم وغلظتهم وكبريائهم وفحشهم. قال تعالى (لقد خلقنا الانسان فى كبد) الآية الكريمة سورة البلد. فالكبد يقصد به الجهد والمعاناة والتى لا يمكن تجنبها والذود عنها الا باللجوء والاستعانة برب العزة والخضوع له بالرضوخ والطاعة والانصياع والاستغفار والعبادة والتسبيح والثناء عليه سبحانه وشكره كثيرا والتودد له وحده واستجدائه الصفح والعفو والغفران فلا مهرب منه إلا إليه او كشف الغم والحزن إلا بفضله وعونه فهو القادر فمن ناداه بصدق واخلاص ولم يشرك به منحه سؤله وحفظه وحماه واغدق عليه بالكرامات والجود وكفاه عمن سواه قال جل شأنه ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً, ويرزقه من حيث لا يحتسب, ومن يتوكل على الله فهو حسبه) سورة الطلاق. وفسر العلامة القرطبي رحمه الله ان خلقه الانسان فى كبد بان اول ما يكابده ويواجهه المخلوق عند ولادته قطع سرته وشدها وربطها يليه ختانه ثم فطامه وتزداد مكابدته بنبت أسنانه وطول حياته يعاني الى وفاته بلا راحة ذلك قدره ان لم ينجب ذرية تضجر من عدم الانحاب, ومن ظن وتخيل انه لو تزوج بأكثر من زوجة سوف يرتاح ولكنه محال ان يجد الراحة لان ذلك تقدير العليم الخبير.