الدنيا كما نعرفها ويتصورها أصحاب العقول النيرة والالباب المفكرة هي ثلاثة أيام لا أكثر ولا أذود يوم أمس وهو قد مضى وارتحل ولن يعود , انطوى فى طي الزمن وصار آفلا ومتواريا وقد يكون منسيا ان كان عاديا لم يدخر صاحبه فى صفحاته نبراساً يكون له منجيا ومنقذا عند لقاء الموعود ووقت الحساب الذي لا بد حاصل ولا مفر أو مهرب منه' ويوم غد وعلمه بيد خالقنا المولى العظيم عالم الغيب وما تخفي الصدور وهو محجوب عن كل الخليقة , هذه الدنيا منها يومان زيح الستار عنهما وبقي اليوم الأهم والمهم والذى فيه مصير كل حي انه متميز عن ما قبله وما بعده , هل استعد الجميع لملاقاته بكل المدارك والمفاهيم الانسانية والذهنية وكافة محتويات الكينونة البشرية التى تشتمل على الأحاسيس والعواطف والمشاعر بدون أي زيف أو خداع او نفاق لانه ان مضى هذا اليوم بدون بصمة يخلدها فى صفحاته وساعاته واوقاته وفي كل خطوة تحسب عليك تثبت فيها انك انسان مثالي بكل صدق ومتوشحا بطوق النجاة من الدنس والفحش والنميمة , مخلوق غمر قلبه ووجدانه الحب لله معبوده والخشية منه والخضوع له ولا يغضبه أو يعصيه أو يحمل أي بغض أو كره أو ضغينة لعبد من عباده , يكون في يومه هذا الذي هو له وملكه بقلب مفعم بقوة الايمان والاخلاص وصحوة الضمير وبيقظة البديهة بوجوب الصبر على المكاره وزلة اللسان ووقوعه فى الذنوب أو الغواية او في هفوة مهما كانت صغيرة هى أو كبيرة لان تغفر وتمحى ان سجلت عليه, فيومه هذا لا وقتا سانحا فيه للندم ولا مجال للتعويض أو للتمني بسوف استغفر وأصلح أخطائي التي دونت عليه, لا أيها الانسان الذى أيقن بحقيقة يومه هذا انت تحفك رحمة مولاك فاسجد له وناجه وتوسل وتضرع ارجوه السماح والصفح عنك واسأله حسن النهاية والخاتمة واطلبه التقى والصلاح وألح فى الدعاء والمناجاة فانت فى حضرة مالك الملك , عظيم الشأن الحنون الذي لا يرجى سواه ولا يقصد الا اياه , الهي كم أنت عظيم خلقتنا لعبادتك ولكنا لم نؤدها بكل حقوقها للواحد والمعبود والعليم بكل أسرار عبيده ولكنه ينتظر منهم مناجاته والتقرب إليه والاعتراف باننا اخطأنا وأذنبنا وإنا له عائدون ليتوب علينا. ايها الطيبون فى يومك الذي هو لكم اجعلوه نقياً صافياً وطيباً مثلكم لا صراع ولاجدال فيه ' لا أطماع أو أحلام للدنيا الفانية تتخلله, لا مال ولا بنون أو نساء حسان وقصور وبساتين بل يكن شغل العباد الطيبين بكل قواهم وبإرادتهم وعزيمتهم مسخرينها فى يومهم المأمول ليكون للباقيات الصالحات وليكون مبتغاهم لكل ذرة من مثقال يسعون فيها للخير والأجر المتضاعف والذي يساوي الدنيا بحلاوتها ومفاتنها وينعها وخضرتها ونضرتها ' أجل هو يوم فدته النفوس النيرة والتقية بما في الحياة من نعم لتجعله يوم نجاتها وأن لها ان تفيق وتبكي بمدامعها وجوارحها وتغتسل بها وتتطهر ' طهارة الجسد والروح والسكينة والطمأنينة والنفس الأبية بطوعها عائدة لربها.فالأمس اضاعته والغد في علم الغيب اما اليوم فهو لها.