تفاوتت الآراء حول الورقة التي قدمها الدكتور عبدالله بن علي الخطيب يوم الأول من أمس ضمن نشاط الحلقة النقدية بنادي جدة الأدبي الثقافي، بعنوان «من أجل دراسة الأخلاقيات اللغوية» لبرنارد قارده، حيث تركز النقاش حول ما قام به المحاضر من ترجمة لعمل الكاتب، وفي هذا السياق تقول الدكتورة لمياء باعشن: كان التفاعل مع هذه الورقة صعباً لأكثر من سبب، فهي تعمل كتوضيح إلحاقي لنقاش شفهي تبع محاضرة سبق إلقاؤها في مؤتمر روان، لذا فإن نقاط انطلاق كتابتها لم يكن واضحاً مما أثر أيضاً على تسلسل أفكارها التي بدت وكأنها وقفات منفصلة تذكر ومضات معينة سبق طرحها، ومما يؤكد ذلك كثرة الموضوعات التي حاولت إثارتها دون التوقف المتأمل لأي منها، بل إنها استمرت في التخطي السريع لكل موضوع اختصرته في فقرة أو في تساؤل: حتى أن الرغبة الفانتازية في تكريم فوكو باسقاط منهجيته على المعيار اللغوي لم تتحقق بشكل متسق. مضيفة بقولها: ربما ساهمت الترجمة في تكثيف بعض الجمل لاهتمامها بنقل المضمون أكثر من اهتمامها بتوصيل الفكرة للقارئ بوضوح. وتقول الدكتورة أميرة كشغري: بالرغم من الجهود الكبيرة للدكتور الخطيب في ترجمة مقال برنارد قارده والتي كانت واضحة في امتلاكه البراعة والدقة والأسلوب المترابط والحساسية اللغوية في نقل النص من الفرنسية إلى العربية، إلا أنني كدت أخرج بعد قراءتي الأولى للترجمة بما يشبه الحيرة والإحباط لعدم تمكني من استيعاب الفكرة والرسالة المقصودة من النص الأصل. تعود هذه الحيرة إلى سببين: 1. إن ترجمة النصوص الفلسفية هي من أصعب أنواع الترجمة خاصة بين لغتين لا تتشاركان قاعدة ثقافية متقاربة. 2. كانت الاشكالية الكبرى في الترجمة حتى وقت متأخر هي مسألة الترجمة الحرفية أو الترجمة الحرّة. في ترجمته لمقال برنارد قارده، يتضح أن الدكتور الخطيب قد مال نحو أحد مستويات الترجمة الدلالية باستخدامه الترجمة الوفية (Faithful translaton) حيث كان وفياً وفاء تاماً لمقاصد الكاتب وللتحقيق النصي وجدت صعوبة في تتبع معاني الكثير من المصطلحات وقد كنت أطمح في أن أرى الترجمة أكثر تواصلية مع ثقافة القارئ العربي وذلك بشرح مبسط لتلك المصطلحات أو ذكرها بلغتها. وتتداخل حنان بياري بقولها: يبدو أن برنارد قارده قد استلهم منهج فوكو، فأسقطه على الأخلاقية اللغوية؛ لكنه أغفل جانبا ذا قدر من الأهمية؛ إذ كانت المعيارية هي الأساس الذي ترتكز عليه الجنسانية في سلوكياتها الفاعلة، في حين تزحزحَ هو عن هذه المعيارية حين أقرّ بأن الأخلاقية اللغوية تستمد كيانها بمسايرتها للعرف اللغوي المستخدم عند بوالو، وبالقدر الذي يحتاجه المرء للتعبير عن نفسه بلا ضوابط أو قيود عند كوندياك، وهذه ثغرة في تطويعه لمنهج. ويضيف الناقد علي الشدوي: يقتبس برنارد قارده من بودريار العبارة التالية « الأخلاق العالية في الحياة العامة تولّد ايضاً لغة عالية. وأن اللغة تتشوه على لسان الشخص البذيء؛ وأننا نرى نُبل اللغة على لسان الشخص المغمور تجعل جبينه ونظراته تشرق من الفضيلة «. تشير العبارة ضمنا إلى شخصين: الأول شخص غير بذيء؛ بمعنى ما شخص مؤدب، أخلاقه عالية، وحين يتحدث فإن لغته مؤدبة نبيلة. في المقابل هناك شخص بذيء حين يتحدث يشوه اللغة. لكن بما أن اللغة ظاهرة اجتماعية وليست ظاهرة فردية. وتقول الأديبة علياء العمري مدافعة عن ورقة الدكتور عبدالله الخطيب المترجمة: في البدء أتوجه بالشكر والتقدير للدكتور الخطيب على اختياره الموفق لترجمة نص ثوري مؤرق يقدم أفكاراً مزعجة ومؤرقة، خصوصاً إذا ما حاولنا معرفة لماذا هذا النص فرنسي وفكرة الأخلاقيات اللغوية فرنسية وكاتب المقال فرنسي، لماذا ينزعج المفكر الفرنسي أو الأوروبي بأمور معرفية تبقى اعتيادية أو غريبة من وجهة نظرنا كعرب؟! (سؤال أول سطحي). ويرى الناقد صلوح السريحي أن الورقة في الوقت الذي تؤسس فيه الى دراسة الأخلاقيات اللغوية، تؤسس أيضا إلى نقيضها من خلال الفصل بين الذات الفاعلة والخطاب فتبرز لنا الذات الاخلاقية الفاعلة من خلال خطاب لا أخلاقي يتنافى مع المعايير والقيم التي نصت عليها الشرعية الدينية أو حتى المعايير الاجتماعية من ذلك الحداثة التي اُخرجت من ثوبها الثقافي والبست الثوب الديني فمال التصور الجمعي الى تحريمه وتجريم الذات الفاعلة لها. ويقول أخيرا الدكتور محمد ربيع: عالج قارده مسألة الأخلاقيات اللغوية فأسقط على المعالجة منهج فوكو في تحليل تاريخ الجنسانية إنما كان ينظر إلى العناصر التي بإمكانها أن تسوِّغ الادعاء بتشابه السلوك اللغوي مع السلوك الجنسي، ثم البناء على هذه المشابهة ما يجعل الأخلاقيات اللغوية تماثل الأخلاقيات السلوكية الجنسانية تماثلا يكفي للتدليل على وجاهة الأطروحة الرئيسة التي تنطوي عليها هذه المقالة.