قدّم الناقد الدكتور عبدالله بن علي الخطيب خلال الحلقة النقدية التي نظمها نادي جدة الأدبي مؤخرا ورقة نقدية بعنوان (من اجل دراسة الأخلاقيات اللغوية) قال فيها: إن كل فعل أخلاقي يتضمن علاقة ما بالواقع الذي يُنجز في إطار، هو على علاقة بالرمز الذي يرجع إليه؛ ولكنه يحتوي ايضا على نوع من العلاقة مع الذات؛ وهذه ليست مقتصرة على (الوعي بالذات)، ولكنها تشكيلٌ للذات ك(فاعل أخلاقي) يحصر الفرد ضمنها الجزء من ذاته الذي يُشكل هذه الممارسة الأخلاقية، كما أنه يُحدد موقفه تجاه المبدأ الذي يتبع، ويعرّف نمطه الذي يسير عليه والذي سيكون بمثابة استكمال لذاته الأخلاقية؛ ولإتمام ذلك يقوم الفرد بالاشتغال على نفسه، والتعرف عليها، والتحكم بها وامتحانها وتطويرها وتحويلها، ولا يوجد فعل أخلاقي لا يتكئ على وحدة تصرف اخلاقي، كما انه لا يوجد تصرف أخلاقي لا يستحضر تشكيل الذات كفاعل أخلاقي، كما أنه ليس هناك تشكيل للفاعل الأخلاقي من دون (أنماط للتحويل الذاتي) ومن دون تزهد او ممارسات للذات تساند هذه الأنماط. واضاف الخطيب في الحلقة التي أدارها الناقد الدكتور محمد ربيع الغامدي، والتي شهدت مداخلات عدة من الحضور ومنهم الدكتور سعيد السريحي والناقد على الشدوي والدكتور عبدالرحمن السلمي والدكتور عادل خميس والدكتورة لمياء باعشن، والدكتورة أميرة كشغري، وحنان بلياري ونبيل زارع: يتعلق الأمر إذاً بالعودة الى (الفاعل) وكذلك الى فاعل اللغويات الذي تقترح جوليا كريستيفا مقاربته والبحث عنه ضمن الموضوع الذي أقرته النظريات اللغوية في مجلة (Langages، عدد 26)، والذي سوف نكتفي هنا بأن نشير اليه ببعض التلميحات. ولذا نقترح تقليد منهج فوكو وإسقاطه على علم اللغويات الاجتماعية المعياري، بمعنى أننا سوف نحاول إثبات الفائدة لهذا المنهج الموجه نحو (تكوين الذات كفاعل لغوي)، أما بالنسبة للدراسات التنويعية فقد عُنيت بدراسة السلوكيات وعلاقاتها بهذه المعايير (وبالتالي استنباط المعايير الضمنية منها)، كما يظهر لنا أنه ومن الضروري دراسة الطريقة التي يتكون من خلالها الفاعلون إلى فاعلين لغويين معياريين. وقال الخطيب في المجال اللغوي: نتساءل من الذي يشعر بنفسه معنياً [بالأخلاقية اللغوية] ومن الذي يسمح لنفسه بالاشتغال على أسلوب تعبيره، والحصول على سلوك لغوي غير السلوك الغريزي أو ذلك الذي يُملى عليه من الخارج؟ فليس من السهولة بمكان الإجابة على هذه الاسئلة، مع ملاحظة أنّ هذا الهاجس قد يكون غير موجود لدى الأوساط الشعبية، والدليل على ذلك ما نراه من حالة التهكم والتشهير التي يقع تحت سطوتها المتقعرون بالكلام والجمل. وابان الخطيب ان الأسلوب المتسلسل والجملة الطويلة، والأسلوب البلاغي الخليط يوجد من يدافع عنها ويعتبرها ضرباً من ضروب القيم، ولكن هناك بطبيعة الحال قيمًا اكثر شرعية وديمومة من غيرها. وبهذه المقارنة بين الأخلاقية (الجنسانية) والأخلاقية (اللغوية) اختتم الخطيب هذه المواجهة التي قال عنها إنّها لم ترد بمحض الصدفة، حيث إن الأمر في نهاية المطاف يتعلق بالعلاقة مع الآخر، وفي اللغة وعبر اللغة ليشكل ويكوّن الذات نفسها. وفي بداية المداخلات علق الدكتور سعيد السريحي قائلا: هناك تواطؤ يصح ان نطلق عليه ضربًا من «النفاق الاجتماعي» الذي يحاول من خلاله كثيرون أن يظهروا حريصين على القيم ومنافحين عنها حد التشدد رغم أنهم يمارسون خلال حياتهم اليومية ما لا ينسجم مع تلك القيم وينافحون عنها. فيما علق الناقد على الشدوي على الورقة قائلا: يقتبس برنارد قارده من بودريار العبارة التالية «الأخلاق العالية في الحياة العامة تولّد ايضاً لغة عالية، وأن اللغة تتشوه على لسان الشخص البذيء، وأننا نرى نُبل اللغة على لسان الشخص المغمور تجعل جبينه ونظراته تشرق من الفضيلة». وأضاف الشدوي: «تشير العبارة ضمنا إلى شخصين الأول شخص غير بذيء؛ بمعنى ما شخص مؤدب، أخلاقه عالية، وحين يتحدث فإن لغته مؤدبة نبيلة، في المقابل هناك شخص بذيء حين يتحدث يشوه اللغة، لكن بما أن اللغة ظاهرة اجتماعية وليست ظاهرة فردية، وبما أن شبكة من المسلمات تشكل خلفية الإنسان المعرفية؛ أي حين يتصرف، أو يفكر، أو يتحدث، فهو يسلم بوجود طريقة معينة يوصفها جون سيرل على أنها شبكة من الأحكام والتصورات، هذا ما يجعلني أقول بأنه لا مجال لمثل هذا التقسيم، فالشخص صاحب الكلمات غير البذيئة يتصور المجتمع من وجهة نظر أخلاقية؛ فلا يستخدم اللغة التي تخدش الذوق العام. وعلى العكس منه فإن من يستخدم اللغة البذيئة يتصور المجتمع من وجهة نظر اجتماعية؛ أي أن المجتمع ليس فاضلا، ولا بد أن يحتشد بكلمات لا تنم عن أخلاقياته». وقال الدكتور محمد ربيع الغامدي: حين عالج مسألة الأخلاقيات اللغوية فأسقط على المعالجة منهج فوكو في تحليل تاريخ الجنسانية، إنما كان ينظر إلى العناصر التي بإمكانها أن تسوِّغ الادعاء بتشابه السلوك اللغوي مع السلوك الجنسي، ثم البناء على هذه المشابهة ما يجعل الأخلاقيات اللغوية تماثل الأخلاقيات السلوكية الجنسانية تماثلا يكفي للتدليل على وجاهة الأطروحة الرئيسة التي تنطوي عليها هذه المقالة. وأضاف الدكتور الغامدي: هناك قيود وإكراهات تفرضها السلطات المجتمعية المختلفة على السلوك الجنسي للفرد بحيث تكون هذه القيود بمثابة المعايير لما يكون من السلوك الجنسي مقبولا أو غير مقبول، وبطبيعة الحال يمكن القول إن منظومة المعايير تشكل (النظام) الذي يؤطر السلوك الجنسي بشكل جمعي، أما السلوكيات الجنسانية المحتملة فهي الصورة الفردية التي قد يسعى الفرد في بعض المقامات إلى جعلها متوائمة مع النظام الذي تفرضه السلطات المجتمعية. جانب من إحدى المداخلات من حضور الأمسية