عادت جدلية جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتشعل مشهدنا ، على خلفية أكثر من حدث- منها ما هو فادح التجاوز - مسيء لصورتنا، تناقلت أخباره الركبان الرقمية من صحف عالمية وقنوات ومواقع تواصل مختلفة ! وكما اعتدنا، تحولت الساحة إلى معركة يحتدم فيها الصراع بين المناهضين للهيئة وممارساتها وأسلوبها في التضييق على الحريات الفردية وصولاً للمطالبة بإلغائها صراحة ، ومابين المدافعين عنها ممن يرون في بقائها - كما هي عليه- حماية للمجتمع ووقاية له من الفساد والجنوح الأخلاقي ..فيما يعترف آخرون بتجاوزات بعض منسوبيها ، كما اعترفت الهيئة نفسها بذلك، لكنها تظل بالنسبة لهم صمام الأمان الذي يحمي المجتمع من الانفلات والشرور الأخلاقية !، فهم مع بقائها ولكنهم يرفعون شعار إصلاح الجهاز، وإعادة هيكلة صلاحياته وقصرها على التبليغ ، دون الشروع في الضبط أو المطاردة . وهو جدل يعيد استنساخ نفسه بحدة متفاوتة دون نتيجة تذكر - طبقاً لدرجة التجاوزات التي تعيد الهيئة إلى الواجهة الإعلامية-، والتي تجاوز بعضها التربص والاستدراج والفضح وهتك الستر إلى التسبب بالقتل ! ،هذه الجدلية التي تعيد إنتاج نفسها مراراً، تستدعي- في تقديري- طرح أسئلة تدير دفة الجدل إلى مسارات مختلفة . منها على سبيل المثال سؤال ماهية مفهوم الحسبة في الإسلام، وتعريفه من خلال زرعه في سياقه التشريعي وتتبُّعه تاريخياً ، واستدعاء بداياته التطبيقية في المجتمع الإسلامي ، والتي تجلت أول ماتجلت بمراقبة الغش والتطفيف في الموازين في الأسواق ، وصولاً لمراقبة أصحاب الحرف والمهن في العهد العباسي إلى غيره مما يدخل اليوم تحت مفهوم مؤسسات المجتمع المدني ، وطبيعة الأدوار التي تضطلع بها في الرقابة وإرساء مفاهيم الحقوق والعدالة الاجتماعية والمساواة. مما يقودنا لسؤال أكثر أهمية عن بداية حَرف شعيرة الحسبة عن جوهرها الأهم وهو مراقبة الفساد بكافة صوره وأشكاله ،والذي يندرج تحته الفساد المالي والإداري ومراقبة المال العام وإرساء مبدأ المساءلة والمحاسبة وطرح سؤال من أين لك هذا . مما يقود أيضاً إلى سؤال اختطاف الشعيرة واختزالها في أطر شكلانية فرَّغتها تماماً من مضامينها الجوهرية تحت شعار فضفاض هو حراسة الفضيلة ! حيث تختزل الفضيلة هنا أيضاً في المرأة فقط ، ومايتعلق بمظهرها الخارجي، وشكل عباءتها ، وكشف وجهها.. إلى غير ذلك ، أو في رصد الأخطاء الفردية ، وتتبعها في ممارسات الناس الحياتية ، وخاصة في العلاقات بين الرجال والنساء . رغم استحالة حراسة الفضيلة في هذا البعد ، بداية لأن الفضيلة الجبرية تقوض معنى الفضيلة وقيمتها ، كونها تلغي الاختيار وهو المعيار الحقيقي لها . وثانياً لأن الفضيلة تزرع ولا تحرس ، وهي تنمى عبر التربية الوجدانية القائمة على تعزيز المسؤولية الفردية وتربية الضمير والوازع الأخلاقي . إثارة الأسئلة المختلفة عن ماهية الشعيرة وتطبيقاتها ، وعلى من تقع مسؤولية حَرفِها عن جوهرها قد يخرجنا من عقم الجدلية، فهل من خروج إلى سبيل ؟! [email protected]