ومن طريف مفارقات هذا العربي ( السوبر ) أنه أكثر أهل الأرض حباً لتداول النصائح ، وأقلهم عملاً بها !! .. ألم ترَ كيف فعل بطير (تويتر) حين أثقل جناحيه ب(قص ولصق ) ركام هائل من الحكم والمواعظ والمقولات التي تقدمت بها الأمم ، بينما بقي هو في مؤخرة الركب ! .. إنه الشعب الثرثار يا سادة الذي يقول ما لا يفعل ، بل ويصر على أن لا يفعل شيئاً مما يقول ! . (علم الكلام ) صناعة عربية متجذرة في جيناتنا منذ أيام العرب ( الهالكة ) ، أعدنا نحن العرب ( المستهلكة ) إنتاجها معتمدين على أحدث وسائل التكنولوجيا، فملأنا الفضائيات واليوتيوب وتويتر والواتساب بغثاء لا يختلف كثيراً عن غثاء جاهليتنا الأولى ، قبل أن يفك العرب الخط ، وحين كانوا يعتمدون على أكاذيب الحكواتية عن (عنترة) و(الزير) وطائر( الرخ) الذي يحجب ضوء الشمس عن بغداد بريشة من جناحه !. العربي يا سيدي كائن لا حدود لقدراته اللفظية ، فهو على استعداد للثرثرة ( وطق الحنك ) عن الدين والسياسة والجنس والرياضة وحتى الفلك ومواقع النجوم، باختصار له رأي في كل شيء وأي شيء ! . ألم تسأل نفسك لماذا كل هذا العدد من الفضائيات ومقاطع اليوتيوب والكيك بتنوعاتها وتشابهاتها؟! ألم يطرح هذا الزخم (الشفهي) في ذهنك سؤالاً : متى يقرأ هذا العربي الخارق ؟! و أعني القراءة المعرفية القادرة على النقد والتحليل، وليس كتب (حليمة ) و ( فيحان) و (أبوعبدالكريم ) !. الأخطر أن تعليمنا (الكتاتيبي ) المرتكز على التلقين ،يساهم بدوره في صناعة وعينا الهش عبر إنتاج المزيد من القوالب التلقينية التي أعادت الروح إلى الثقافة الشفاهية ! . والأكثر خطورة أن القلة القليلة المثقفة امتنعت خلال السنوات الأخيرة عن تجديد معارفها وظلت تردد محفوظاتها القديمة بعد أن أصبح بعضهم نجوماً لفضائيات الكلام .. فضمر الكتاب حتى أصبحت حصة العرب منه لا تتجاوز 1% من النتاج العالمي ، وهو أقل مما تنتجه دولة مثل تركيا ! . المضحك أن وعينا الشعبي بات يحذر هو الآخر من خطيئة القراءة باعتبارها خطراً على الصحة العقلية ، مما زاد من سطوة ثرثرتنا ، لذا لم يعد غريباً أن ترى العرب يتحدثون كل صباح عن خرافات الفضائيات ووسائل التواصل لا عما قرأوه في الكتب والبحوث والدراسات ؟! هل قلت بحوث ودراسات ؟ .. عفواً استسمحكم في سحب العبارة ، فالمقام لا يحتمل فتح جراح جديدة. !! [email protected]