* من المضحك المبكي أنه في الوقت الذي تستعد فيه (سيريلانكا) الدولة الفقيرة والمغمورة لإطلاق (قمرها) الصناعي الأول.. يستعد العرب بمختلف مشاربهم وعلى قنواتهم الفضائية لإطلاق (نجمهم) الجديد هذه الجمعة!!.. ولأن العرب ظاهرة صوتية كما قال القصيمي -غفر الله لنا وله- فإن (النجم) الذي سيطلق بعد غد في سماء العرب، سيكون نجمًا صوتيًا.. لن يضيف إلى فضاءات العرب إلا المزيد من (الفضاوة) والجعجعة.. ولا أظنه سيختلف كثيرا عن نجوم (شخبط شخابيط) (شيل الواد م الأرض) و(ادي الواد لأبوه)!. * صناعة (النجم) أو (البطل) صناعة عربية قديمة حديثة، يعاد إنتاجها كلما دعت الحاجة.. فالعرب منذ عصر جاهليتهم الأولى انشغلوا بصناعة (أبطال) لكل الأحوال والظروف، من خلال ثقافة شفاهية اعتمدت النقل أكثر من اعتمادها التدوين.. فلكي تعيش الحكاية لا بد أن تلقى قبولًا من المستمع الذي يحفظها ليصبح بعد ذلك من رواتها، بقليل أو كثير من التصرف.. وبهذا يكون ملايين العرب قد ساهموا في صناعة أبطالهم، بدءًا بعنترة وأبو زيد وسيف بن ذي يزن وانتهاءً بأدهم الشرقاوي.. مرورًا بجحا والسندباد.. وعلى الرغم من تحفظاتنا على سير الأسماء السابقة وما بها من مبالغات وأكاذيب -تراكمت عبر التناقل الشفهي- حتى وصلت حد التصادم مع العقل والمنطق.. إلا أن كل اسم من تلك الأسماء كان يرمز إلى قيمة إنسانية معينة.. كالشجاعة أو الكرم أو الشهامة.. وربما كان هذا سبب قبولها، وبقائها حتى اليوم. * اليوم وفي عصر جاهلية العرب الثانية لا زال العربي يمارس صناعة أبطاله، ولكن بأدوات جديدة ورؤية مختلفة.. فنظرًا لطبيعة العصر الاتصالاتية، وبعد تحول دفة القيادة من أيدي المثقفين إلى أيدى أصحاب رؤوس الأموال.. تحوّرت هذه الصناعة من صناعة شفاهية لأبطال ذوي مواصفات قياسية.. إلى استنساخ مشوّه لنماذج غريبة لا تمثل أي قيمة أو هدف إنساني.. فضلًا عن عدم اقترابها من الثقافة العربية والموروث العربي.. حيث تحول النجم إلى مجرد (ستايل) تبتزنا الفضائيات لصنعه ومتابعته آناء الليل وأطراف النهار.. فأينما يممت وجهك في الفضاء العربي ستجد حتمًا (مشروع نجم) يطلب منك بلا خجل المساهمة في صنعه.. ليس على طريقة عنترة والزير، فتلك أمة قد خلت ونجوم قد هوت.. ولكن بالتصويت والدفع ب (خشم الريال) أو ب (نوز الدولار).. لتمتلئ المسافة بين صناعة (النجم) و(استنساخه) تصفيقًا وهتافًا ووهمًا.. ولأن البطولة اليوم لم تعد تتطلب مؤهلات عنترة وأبو زيد .. فلا غرابة أن يبحث الجميع عن بطولة مجانية طالما كانت المؤهلات ظاهرية فقط.. لترتفع في الزمن السهل بورصة (الأبطال) ونجوم (القايلة) الذين يتشابهون حد التطابق! * الغريب أننا كعرب اختلفنا وتصارعنا وتحاربنا حول كل شيء إلا حول (نجومنا).. فلكل فئة منا (نجمها) المفضل.. لكن الأكثر غرابة أن هذه الصناعة لم تجد إلى العلم سبيلا.. حيث يبدو أن العرب يصنعون (النجم) في الميادين التي يحبونها فقط.. ولأنهم لا يحبون العلم، فقد صرفوا النظر عن صناعة (نجمهم) في العلم والمعرفة!!.. هل ترون في هذا تشاؤمًا.. حسنًا سنقول «حتى إشعار آخر»! [email protected]