سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عار في وجه الثقافة والمثقفين لقد كشف العدوان الإسرائيلي أن حصوننا مهددة من داخلها وأن هناك صفحات سوداء في التاريخ العربي ستحتوي على قوائم بأسماء هؤلاء ومقالاتهم وتغريداتهم ومقابلاتهم.
ترجم د.جاسر الحربش خطابًا موقعًا من 24 طبيبًا سبق أن عملوا في غزة ونشرته أشهر مجلة أبحاث طبية على مستوى العالم وهي مجلة اللانست (The Lancet) ووصفوا أنفسهم بأنهم شهود عيان على ما تمارسه إسرائيل من عدوان، وطالبوا زملاءهم في العالم بالاستنكار، وخلاصة ما احتواه الخطاب "إن الناس في غزة يعانون الجوع، والعطش، والتلوث، ونقص المواد الطبية والكهرباء، والشح في كل وسيلة لتحسين الدخل الاقتصادي، ولا تقتصر معاناتهم فقط على القصف والتدمير". هؤلاء لا تربطهم بغزة إلا أخلاقيات المهنة الطبية الإنسانية، ولذا فإن الانبهار من موقف بعض المثقفين العرب من تأييد العدوان على غزة له ما يبرره عند من استنكروه، فالخروج على الثوابت مصيبة، وبخاصة إذا جاءت من مثقفين هم من يوجه دفة الفكر، ويغرس الولاء للثوابت في نفوس الناشئة. على مدى اغتصاب فلسطين من عام 1948م بقي موقف المثقف العربي صامدًا، لم تزعزعه الخلافات السياسية ولا الصراعات الثقافية، ولم تظفر إسرائيل بمطبِّع واحد حتى بعد توقيع بعض الدول الاتفاقيات مع إسرائيل. إن سقطة هؤلاء المثقفين كبيرة ولا يلام من وصفهم بأوصاف جارحة لأنهم عدوا ذلك وصمة عار في وجه المثقفين الذين تبنوا ولم يتزحزحوا عن مواقفهم الثابتة التي لم تتحول منذ احتلال فلسطين وكانت من أهم ركائز استمرار المقاومة، وقد قلت في تغريدة "لا أدري أيهما أشد صدمة وألمًا تأييد مثقف عربي لعدوان بني صهيون على أطفال غزة أم جثث هؤلاء الأطفال ونحيب أمهاتهم على شاشات التلفاز؟!" وبعد أن صمت هؤلاء الشامتون خرجت فئة أخرى تدافع عنهم بعد افتضاحهم، فكتبوا مدافعين عنهم أو مبررين لفعلهم القبيح، بل أظهروا وجهًا آخر وهو أنهم مرتهنون للأدلجة، فأضافوا جديدًا للطائفية التي تمزق أوصال أكثر البلاد العربية. مجيء الأصوات والمقالات والتغريدات من أطباء ومفكرين من خارج العالم العربي إلى جانب الحق زاد ألم المثقفين العرب، حين رأوا من بينهم من أيد عدوًا سفك دماء أهل غزة، وثكل نساءهم، ومزق قلوب أمهاتهم وقتل أطفالهم، وهدم المدارس على رؤوسهم، والمستشفيات على جرحاهم، ولم يتغير موقف أهل غزة (من أطفالهم إلى شيوخهم ونسائهم) في أن يصمدوا حتى يأتي نصر الله، مع أنهم يواجهون قوة غاشمة تملك أفتك الأسلحة ولا تذرف دمعة واحدة على أشلاء طفل أو بقايا إنسان تنتزع من تحت الأنقاض، مما كشف قوة صاحب الحق وإن ضعف سلاحه أمام ترسانة الباطل ومن يؤيده، حتى صارت إسرائيل تضرب ذات اليمين وذات الشمال لإيقاف الصواريخ التي وصفها بعض المهزومين من مثقفي العرب بأنها طراطيع، مع أنها مات من هلعها مثل من مات من نارها. رحم الله علي محمود طه ومن ماثله من مثقفي النهضة العربية حين أنشأوا القصائد الصامدة لتعزيز موقف عامة العرب من مثل "أخي جاوز الظالمون المدى" ولم يخطر لهم ببال أن تصل الهرولة يومًا إلى مثقف عربي ليفرط في الثوابت. لقد كشف العدوان الإسرائيلي أن حصوننا مهددة من داخلها، وأن هناك صفحات سواء في التاريخ العربي ستحتوي على قوائم بأسماء هؤلاء وبمقالاتهم وتغريداتهم ومقابلاتهم كما سجل التاريخ تمريغ المقاومة بالتراب للجيش الذي وصف نفسه بأنه لا يهزم، ورب ضارة نافعة. [email protected]