أهلَّ علينا شهر الفرح شهر يفرح فيه الفؤاد وتفرح فيه النفس والجوارح، الفؤاد فرحه بقربه من خالقه ومناجاته له سبحانه وتعالى، والنفس تفرح بالانتصار على ذاتها، والجوارح فرحها بالانتصار على شهواتها، إنه فرح الرحمة وفرح المغفرة، وفرح العتق من النار، والقرب من نعيم الجنان. شهر تهتز فيه النفس فتتساقط عنها أدرانها وشهواتها وتسمو فيه الروح حتى تصل إلى عرش ربها، إنه شهر الإنابة وشهر التوبة وشهر العودة إلى الله عز وجل تتجدد فيه التوبة لتصبح نصوحاً بإذن ربها فيفرح الله بتوبة عبده ويفرح العبد بقبول توبته قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة) إنه شهر الرحمة والمغفرة يكثر العبد فيه من الاستغفار ليل نهار فيمحو الله فيه الخطايا والأوزار حتى تعود النفس طاهرة نقية شفافة طيبة تستمتع بعفو الله، والعفو أكبر درجة من المغفرة ففيه يمحو الله الإثم من صفحات عبده ويمحو أثر الذنب من قلبه، وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي الله فرح بصومه، هكذا قال سيدنا وحبيبنا وقدوتنا وقائدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فرحة الفطر هي فرحة الانتصار على النفس وليست فرحة الأكل والشرب فحسب، وفرحة عظيمة أخرى عندما ينادى الصائمون ليدخلوا الجنة من باب الريان، فرحة لقاء الله سبحانه وتعالى وانفرادهم بالدخول من هذا الباب الذي يغلق بعدهم ولا يدخل منه أحد. فإذاً أجر الصيام مفاجأة كبيرة للصائمين لا نعرف مدى قدرها إلا عند لقاء ربنا سبحانه وتعالى فنفرح بذلك فرحا كثيراً (الصوم لي وأنا أجزي به) هكذا يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي. هذه فرحتان عظيمتان حدثنا عنهما رسولنا صلى الله عليه وسلم وهناك فرحة أخرى غير هاتين الفرحتين وهي أن الله سبحانه وتعالى مد في أعمارنا كي نصوم هذا الشهر ونغتنم من أجره ونسبح في بحر أفضاله لننال من بركته ومنحه وعطاياه. فأبواب الجنة مفتوحة وأبواب النار موصدة والشياطين مصفدة، تعرضوا يا مؤمنون لنفحات الله عز وجل في هذا الشهر العظيم، فلابد أن تصيبكم هذه النفحات المباركة فمن أراد أن يتعرض لزخات المطر لابد أن يخرج من بيته فتصيبه، ومن أراد أن يتعرض لرحمات الله فلابد أن يجتهد بالتضرع والعبادات فتصيبه بإذن ربه، اندفعوا للطاعة، والله سبحانه وتعالى سيعينكم ويوفقكم لها وابتعدوا عن المعاصي والشهوات والزلات وعاهدوا الله بالاستمرار في الطاعات بعد شهر الصوم والصلوات. اعقدوا العزم في هذا الشهر المبارك على المحافظة على الصلوات في جماعة والتزموا بالسنن الرواتب وصلاة التراويح وابتعدوا عن إضاعة وإهدار الوقت فيما لا خير فيه وفيما يغضب الله عز وجل والجلوس بالساعات أمام المسلسلات الهابطة التي أعدتها الشياطين قبل أن تصفد. اللهم إني أسألك يا رب العالمين أن تعيننا على صيام وقيام هذا الشهر الفضيل على الوجه الذي يرضيك منا، وأن تقبله منا، اللهم اكتبنا ووالدينا وأولادنا وأقرباءنا ومن أحبنناه فيك من عتقائك من النار في هذا الشهر المبارك، اللهم اجعلنا من الذين اطلعت عليهم في أول ليلة من ليالي رمضان ونجيتهم من عذابك، اللهم اجعلنا من المقبولين واجعل صيامنا وقيامنا خالصاً لوجهك الكريم، واجعلنا من المحافظين على الطاعات بعد شهر العطايا والمكرمات. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.