أيام قليلة ويهل علينا شهر الصوم، شهر الخير والرحمات والعتق من النار، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، نستقبله بفرح، فأيامه ولياليه كلها خير وبركة، وها نحن نتنسم عبق النفحات الإيمانية العطرة للشهر الكريم، فهل هيأنا نفوسنا للتغيير الحقيقي الذي يهذب الطبائع ويزيد من فضائل الأخلاق النابعة من صدق الإيمان ونقاء السرائر، ويصوب السلوك نحو الاستقامة؟.. أم نستعد بالمظاهر ونقضي أيامه بالانشغال بالمقاضي والاستهلاك، والتزاحم على ما تشتهيه النفس مما لذ وطاب من المشروبات والأطعمة؟ فيكون نهارنا صياماً وليلنا تسالي وتخمة تثقل العقول والأبدان، دون اجتهاد حقيقي في العبادة وفي المعاملة والمسارعة إلى الخيرات، فلا يكون من الصيام إلا الجوع والعطش. إن الصوم مدرسة ربانية في صدق العبادة والإحسان والتخلق بأخلاق الإسلام، وما أجمل الأخلاق عندما تسمو بنقاء السرائر وطيب الكلمة ولين المعاملة وتقوى الله في الأمور كلها ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلاً، إنها حلاوة الإيمان التي يغرسها الصوم وأخلاق الشهر الكريم، ولعلنا نتدبر وصف الحق تبارك وتعالى لرسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه «وإنك لعلى خلق عظيم»، وقد أخبرنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالقدوة الحسنة في قيمة الأخلاق والأدب الرباني في قوله:»أدبني ربي فأحسن تأديبي»، أفلا ننهل إذن من معين القدوة النبوية العظيمة في تربية النفس وتهذيبها وتربية الأبناء في مدرسة الإيمان بصدق العبادة وحسن المعاملة. إن الصيام مدرسة للصبر في تهذيب النفس وترويضها على الإخلاص في العبادات والطاعات وحفظ الجوارح، وما أجمله من قول (اللهم إني صائم) فيكون بردًا وسلامًا وأجرًا، ويحول دون الإساءة وما يخدش روح الصيام. وهكذا يزجر الصائم نفسه ويلجم لسانه عن غي الإساءة والغيبة والنميمة، ويجاهد النفس ويزكيها، فما أعظم هذا الجهاد الأكبر الذي نحرص عليه في شهر التوبة والمغفرة، وليت كل إنسان يجعله زادًا له لينهل من فضائل الأخلاق، بدلاً من ترك النفس لهواها بعد رمضان. كل مسلم يعلم تماماً موجبات الصوم، وهو العبادة التي اختصها الله تعالى لنفسه ويجزي به عباده المخلصين، فهل نهيئ النفس بالأخلاق العظيمة في هذا الموسم الإيماني الذي يسارع فيه الصائم إلى العبادات والخيرات، وينتبه لمثالب حياة العصر التي أوجدت عادات اجتماعية طغت عليها ضعف التواصل والمظاهر والمبالغة في الترفيه حيث البرامج التلفزيونية اللاهية التي تتكالب على المجتمعات المسلمة في شهر الصوم وكأنه موسم اللهو وليس العبادات. إن شهر الصوم مدرسة إيمانية شاملة وفرصة عظيمة للتغيير والصلاح بنقاء السريرة وقضاء الحوائج والمسارعة إلى الخيرات. نسأل الله تعالى أن يبلغنا رمضان وأن يعيننا على صيامه وقيامه، وكل عام وأنتم بخير. كاتب وباحث أكاديمي [email protected]