في كتابه الذي صدر مؤخرًا بعنوان: «دفاعًا عن التراث»، يقدم الناقد الدكتور جابر عصفور (وزير الثقافة المصري السابق)، مجموعة من المقالات التي يهدف من خلالها إلى أن يعلم الشباب أن الأصالة -التي هي الوجه الآخر من المعاصرة- موجودة في كل زمان ومكان، وأن جوهر الإبداع أكثر عالمية من العولمة، وأن كل إبداع حقيقي ينتمي إلى جوهر واحد من القيم الجمالية التي تعبر حواجز الأزمنة والأمكنة واللغة، وأن الذي بلا ماض بلا مستقبل. ويوضح في مقدمة كتابه: أن الدفاع عن التراث، خصوصًا الإبداعي والأدبي، له أشكال وأساليب متعددة، معتبرًا أن الجانب الإبداعي الأصيل من التراث هو الجانب الذي يغوص في أعمق أعماق زمنه الخاص، فيصل إلى الجذر الإنساني الذي يجعله قادرًا على إثارة كل الأزمنة الإنسانية في كل مكان، يعرّف معاني الحق والخير والجمال. ويرى الدكتور جابر عصفور أنه ليس هناك ما يهدد هذا التراث في وجوده أو يقوم بتشويهه في أذهان المعاصرين، ويقطع بينهم وبين تراثهم التنويري سوى المتزمتين، الذين خصّهم بفصل في كتابه، ووصف دور وظيفتهم بأنها التضييق على الناس والحجْر عليهم فيما أباحه الله لهم، وكل شيء عند هؤلاء المتزمتين حرام وضلالة وإثم ومعصية، فالبسمة غير مسموح بها، والضحكة قلة قيمة، والهزل الذي تستجم به النفس حتى تقوى على الباطل هو في رأيهم معصية تستوجب التعنيف والتقبيح، وإذا خرج كاتب عن موضوعه على سبيل الاستطراد الذي يدفع الملل فقد أثم إثمًا كبيرًا في اعتقادهم، خصوصًا إذا خلط الجد بالهزل، كأن الحياة جدّ خالص ووجه عبوس ممتد، وتراثنا العربي الإسلامي مليء بأمثال هؤلاء المتزمتين الذين يفسدون على الناس حياتهم، ولا يزالون إلى اليوم يمارسون ترويع الناس بتعاليمهم التي لا علاقة لها بسماحة الدين بأي حال من الأحوال. يقع الكتاب فى 286 صفحة من القطع المتوسط، متضمنًا أربعة أبواب حول: «القص، ناثرون ومفكرون، إضاءات وملاحظات، ومحاكمة ألف ليلة وليلة».