آخر حلقات مسلسل “زوبعة ألف ليلة وليلة” كانت فى المحكمة حيث تشهد الساحة الثقافية المصرية في الوقت الحالي معركة حامية الوطيس بين د.جابر عصفور رئيس المركز القومي للترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة وجبهة علماء الأزهر المحلولة، والتي بدأت منذ أكثر من شهرين بسبب إعادة طبع كتاب “ألف ليلة وليلة”، ووصل التراشق اللفظي بين الطرفين حدته حتى انتهى خلال المرحلة الحالية إلى الساحة القضائية،حيث قام د.عصفور بتقديم بلاغ للنائب العام المصري ضد الجبهة المحلولة يتهمها فيه بالسب والقذف في جانبه، ويطالب بمحاكمتهم جنائيًا. البداية كانت عندما أصدرت جبهة علماء الأزهر بيانًا رسميًا وصفت فيه "ألف ليلة وليلة” بأنها أدب مراحيض، ووجه البيان الذي حمل عنوان "إلى صبيان المواخير وسفهاء ألف ليلة وليلة” نقدًا لاذعًا لوزير الثقافة المصري فاروق حسني، متهمًا إياه بالترويج لما أسموه بالأدب اللقيط معدوم الهوية، وطالبته الجبهة باستغفار الله والتوبة إليه قبل أن يخر السقف ويقع على الجميع، وبدوره قام د.عصفور بالرد على هذا البيان بمقال تم نشره في إحدى الصحف المصرية القومية تحت عنوان "جمعية جبهة علماء الأزهر” أوضح فيه استيائه الشديد مما ورد في بيان الجبهة وطالب بضرورة أن تخضع للقانون، فالفرق هائل بين حرية الرأي والسباب البذيء، ولابد أن يأخذ القانون مجراه، ليوقف الذين صاغوا هذا البيان وأمثالهم عن تحقير الخصوم الفكريين ووصفهم بما يعاقب عليه القانون، وقال: “إن الحرية مسؤولية، وعلينا الدفاع عنها حتى ضد الذين يسيئون استخدامها في غير ما وضعت له، وهو حماية حقوق الإنسان”. وفور صدور مقال عصفور أصدرت الجبهة بيانًا آخر أكثر حدة حمل عنوان "إلى وزير الثقافة الذي لم يجد في غير السفهاء أعوانًا وأنصارًا”، هاجمت فيه وزارة الثقافة المصرية والقائمين عليها، ووصفت د. عصفور ضمنًا ب"المخنث” و"الملحد” بسبب مقاله قائلة: "أرفع ما يوصف به صاحب المقال أنه سفيه”؛ مما دفعه إلى تقديم بلاغ رسمي للنائب العام ضد القائمين على الجبهة يتهمهم فيه ب"السب والقذف” ويطالب بمحاكمتهم جنائيًا بيانات مراحيض وأكد د. جابر عصفور ل “الرسالة” أن بلاغه للنائب العام كان لابد منه لتتوقف عملية استهداف المثقفين بالسب والقذف، والذي تمارسه هذه الجبهة التي تنسب نفسها زورًا للأزهر الشريف منذ فترة، وقال: “إن ما ورد منهم في حقي أمر متوقع؛ لأن هذه الجبهة مكونة من متطرفي الإخوان المسلمين، وقد أنشئت في أربعينات القرن الماضي في عز قوة الإخوان، وأنها مازالت على التطرف نفسه، وقد لعبت دورًا بالغ السوء في أزمة نصر حامد أبو زيد، وغيرها من أزمات الثقافة المصرية”. ووصف د. عصفور جبهة علماء الأزهر بالجهل فيما قالوا به عن الكتاب لأن "ألف ليلة وليلة” طبعت خمس مرات في القرن التاسع عشر، وأنه متأكد أن ثلاث طبعات منها على الأقل روجعت وصححت من قبل علماء الأزهر الشريف، فالطبعة الأولى كانت عام 1835 وقام بتصحيحها وطبعها الشيخ عبدالرحمن الصفطي الشرقاوي. وكان لدى علماء الأزهر تقليد، أنهم كلما طبعوا كتابًا أو حققوا عملًا كانوا يكتبون تذييلًا يوضحون فيه أهمية هذا الكتاب، ورد فى التذييل المكتوب في هذه الطبعة بتوقيع الشيخ الصفطي، إن ألف ليلة وليلة لا ينبغي أن يحذف منها شيء، لأن هذا ميراث فكري. وكان ابن عباس لا يتحرج من رواية أشعار فيها ذكر للجنس، وكان ابن قتيبة يقول في مواجهة بعض المتزمتين: ليس ذكر الأعضاء مؤثم، إنما المأثم في التعريض بالأعراض وأكل أموال الناس، وعلى هذا كان علماء الأزهر هم الذين يصححون نسخ ألف ليلة ويطبعونها، وحين نفدت طبعة الصفطي أعاد الشيخ محمد قطة العدوي بعد خمسة وعشرين عامًا طباعتها، وهي الطبعة التي جاءت في أربعة أجزاء، وقد طبعتها مكتبة صبيح، وتابع الدكتور عصفور: “هذا جزء من ميراث الأزهر المستنير، بينما هؤلاء الذين يسمون أنفسهم جبهة علماء الأزهر، فهم ليسوا إلا بقعة سوداء في تاريخ الأزهر المعتدل المستنير، والدليل أن مجموعة من المتطرفين رفعوا قضية عام 1985 ضد الطبعة التي أصدرتها مكتبة صبيح، فأخذوا حكمًا ابتدائيًا بإيقاف الطبعة، لكن محامي اتحاد الكتاب الأستاذ صبري العسكري استأنف الحكم، وحكم قاضي الاستئناف بوقف الحكم السابق قائلًا: “إن من تقدموا بالبلاغ لو قرأوا كتب التراث لوجدوا فيها أكثر مما وجدوا في ألف ليلة عشرات المرات”. وأضاف عصفور: “إن السلسلة التي طبعت ألف ليلة مؤخرًا اسمها "ذخائر التراث”، وهي تطبع التراث كما هو، أما إن أردنا عمل طبعة من ألف ليلة للأطفال فساعتها يمكن تهذيبها وتنقيحها كما فعل عبدالرحمن الشرقاوي وغيرهم فيما قدم لأدب الأطفال، مؤكدًا أن جبهة علماء الأزهر تمثل الجناح المتطرف، وهم في صدام شديد ودائم مع كل شيوخ الأزهر، وردي الوحيد أن ألف ليلة ليست أدب مراحيض، لكن بياناتهم هي التي تعد بيانات مراحيض بالنسبة لتاريخ الأزهر وفكر علمائه المستنيرين. يذكر أن جبهة علماء الأزهر والتي يترأسها د.محمد عبد المنعم البري أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، والتى أشهرت كجمعية اجتماعية مند عام 1967 كانت أقرب لكيان نقابي وخدمي يضم بعض علماء الأزهر، لكنها خاضت في التسعينيات صراعًا مريرًا مع شيخ الأزهر الراحل د. محمد سيد طنطاوي، وكان ذلك متزامنًا مع تولي أشهر أعضائها يحيي إسماعيل حبلوش لمنصب الأمين العام، والذي تراوحت مواقفه ما بين معارضة شيخ الأزهر في بعض المواقف الخاصة بإدارة الأزهر سواء من حيث المناهج أو المقررات أو غيرها من القضايا التي كان يبدو مقبولًا فيها للرأي العام أن يخالف بعض العلماء شيخ الأزهر فيها حتى ولو بلغة حادة، لكن الأحداث بدأت بالتصاعد الدرامي تدريجيًا حتى عام 1999 حيث أصدرت الجبهة بيانًا بتكفير د. حسن حنفي علي خلفية دعوته لإلقاء محاضرة في قاعة الإمام محمد عبده بجامعة الأزهر، حيث أصدر محافظ القاهرة قرارًا إداريًا بحل الجبهة كجمعية اجتماعية، وإغلاق مقرها في يونيو 1998، وحاولت الجمعية التظلم، ولكن الأمر انتهي بصدور حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي بحلها سنة 1999، لكن هذا لم يكن يعني اختفاء الجبهة من علي ساحة الأحداث خاصة مواقفها المتطرفة والمثيرة للجدل، لكن الأمور شهدت تصاعدًا آخر بعد أن حول حبلوش معركته مع شيخ الأزهر الراحل لمعركة شخصية، وكتب في عام 2000 مقالًا عن قانون الخلع قدح فيه في حق د.طنطاوي الذي لجأ للقضاء، وحصل علي حكم بحبس الأمين للعام للجبهة لمدة عام، وهو ما اضطر حبلوش خلافاته خارج مصر والانتقال للكويت؛ ليعمل هناك كأستاذ في أحد المعاهد الإسلامية، ولتبقي الجبهة في حالة خمول نسبي خاصة أن حبلوش تخلي عن منصب الأمين العام ليتولاه د. العجمي الدمنهوري، ولكنها عادت للتصعيد مرة أخرى بإصدار البيانات في الفترة الأخيرة من خلال موقعها على شبكة الإنترنت، وكانت آخر هذه البيانات ما حاولت من خلاله استهداف د.جابر عصفور، وكانت سببًا مباشرًا في الأزمة الحالية.
.. والدمنهورى: الكتاب لقيط وليس تراثًا.. ولا نخشى بلاغ النائب العام وعقب د.العجمي الدمنهوري الأمين العام للجبهة على كلام د. عصفور الذي نقله له الرسالة بقوله: “إن الجبهة لا تخشى من بلاغ عصفور ضدها، وأنها مستعدة لمواجهة كل من يسعى إلى تخريب عقول المسلمين تحت عباءة الثقافة، ولن تتراجع عن أداء دورها في المجتمع رغم تربص المثقفين بها، وإلغاء ترخيصها الرسمي منذ سنوات إلا أن الجبهة تتواصل مع الجماهير المسلمة عبر شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت”،وهو مفتوح للجميع من خلاله نسعى لممارسة دورنا الفاعل في المجتمع. وحول الكتاب الذي أثار الأزمة الأخيرة بينهم وبين د.عصفور أوضح د.الدمنهوري أن "ألف ليلة وليلة” “لقيطة” وليس لها مؤلف معروف، ومن ثم فلا يمكن اعتبارها تراثًا، وحتى إذا كانت تراثًا فلا يجوز تبديد أموال الشعب في طبعها، أما إذا طبعتها دار نشر خاصة فهي حرة في أموالها لكن ليس لها أن تفسد الشعب، وأضاف: “أما إن ما يقال عن أن التراث الديني مملوء بالكتب التي فيها مثل هذا الكلام فهو لغو فارغ، وما قيل عن رواية ابن عباس للأشعار الخارجة، لا يجوز؛ لأنه كان صحابيًا ورعًا، وما قيل عن كتاب السيوطي وطوق الحمامة لابن حزم فإنه منحول ومنسوب إليهما، ولا يجوز أن نأخذ من كلام كاتب كابن قتيبة ما نجعل منه منهاجًا لنا، فقد أمرنا الحديث بتغيير المنكر، أما احتفاء الغرب بألف ليلة؛ فذلك لأنهم قوم منحلون ويريدون أن يفسدونا، وقولهم إن ألف ليلة أثرت في العديد من كتابهم وساعدت على زيادة الخيال لديهم فلا يجوز أن يحكم الخيال على الدين، ولا بد أن نغلب الدين على كل شيء وأكد د.الدمنهوري أن الجبهة لا تحرض الناس على العنف بفتاواها كما نسب إليها ذلك زورًا من قبل في قضية الكاتب فرج فودة وغيره، ولكننا نعمل على أن يكون لنا رد فعل تجاه كل ما من شأنه تخريب الإسلام والعبث بعقيدة المسلمين