هذه الأيام يشتد وطيس معركة الحوار والردودعلى ماطرحه كل من الكاتب يوسف بن عبدالعزيزابالخيل والكاتب عبدالله بن بجاد العتيبي حول مفهوم كلمة الآخرفي الأسلام,وشرح معنى كلمة الكافر, وقد ايد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي فتوىالشيخ البراك بهذاالشأن وكذلك أيده الشيخ صالح الفوزان وكذلك قريء الموضوع على المفتي وايده والله أعلم.. بداية البانوراما التكفيرية إن صح التعبير: وُجِّه لفضيله الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك حفظه الله سؤالٌ حول مقالتين كتب الأولى منهما عبدالله بن بجاد، والثانية يوسف أبا الخيل. فجاء جوابه واضحاً صريحاً في الحكم بالردة والمروق من الدين على من يتكلم بمثل ما كتباه وقد قال الكاتب السعودي عبدالله بن بجاد العتيبي لموقع العربية نت : إنه لن يتوقف عن الكتابة وطرح أفكاره وقناعاته رغم صدور فتوى بتكفيره والتحريض على قتله على خلفية مقال نشره في جريدة "الرياض". وعبر عن استغرابه من الفتوى التي أصدرها الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك، ووصفها في تصريح ل"العربية.نت" بأنها تنتمي إلى القرون الوسطى. وأضاف إنها تنسجم انسجاما شبه كامل مع توجهات القاعدة وتحريض قادتها على القتل واستهداف المخالفين من كتاب ومثقفين ومسؤولين سياسيين أيضا وقال إن فتوى البراك تذكرنا بفتاوى أخرى أصدرها منظرو هذا التنظيم مثل محمود العدوة وناصر الفهد وعلي الخضير والذين كان الشيخ عبدالرحمن البراك يصدر ويوقع معهم البيانات سوياً، فهو مقرب جدا من خطابهم ومن تفكيرهم". وقال أبا الخيل إن غالبية الاغتيالات التي حدثت في التاريخ كان تسبقها الفتاوى المحرضة على القتل ، مثل هذه الفتوى ويضيف:" نتذكر جميعا أن الفتوى هي من قتلت فرج فودة قبل أن يقوم شخص بتطبيقها على أرض الواقع". وأوضح أبا الخيل أن تبعات مثل هذه الفتوى خطرة جدا موضحاً أنها تتسبب بإشكالات كبيرة على مستوى شخصي قبل أن يتم القتل الذي يعد الخطوة الأخيرة ويضيف :" يتم تطليقك من زوجتك وثم يحرم أولادك من الميراث الذي تتركه وينزع عنك دينك وثم تقتل بعد ذلك". من جهته ،قال الكاتب السعودي مشاري الذايدي إن هذه الفتوى التكفيرية هي دليل كبير على إفلاس وعجز التيار المتشدد عن الدخول في حوار واستبداله بهذه الفتاوى الدموية. ملاحظة: الكاتبان فهما ان الشيخ يكفرهما وهذا خطأ .. ًالشيخ لم يكفرهما .. الشيخ كفر من يقول بهذا القول بشكل عام ولم يسم احدا كان نقول ان من يسجد لوثن فهو كافر ولكن لا نقول ان فلان الذي سجد لذلك الوثن كافر لانه لا يعلم عن حاله لماذا سجد .. لذلك يرى من قرا الفتوى بأن الشيخ كفرهما ورفع القضيه عليه كله غيرصحيح وهم يعرفون هذا جيدا لكن يريدون ان يستغلوا هذه الفتوى لادانة الشيخ وتجميع الصوت ضده كما يقول محبي الشيخ ومؤيديه.. والله أعلم..!!!! وهذا نص السؤال وجوابه : فضيلة الشيخ/ عبدالرحمن بن ناصر البراك سلمه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : فقد شاع في كثيرٍ من الكتابات الصحفية جملةٌ من المخالفات الشرعية المصادمة لأحكام الشرع المطهَّر. وفي الفترة الأخيرة تجاوزت تلك الكتابات إلى المساس بقاعدة الدين ومفاهيمه الكبرى. فقد نشر بجريدة الرياض عدد (14441) مقالةٌ بعنوان : (إسلام النص، وإسلام الصراع)، قرَّر كاتبها أن من التشويه والتحريف لكلمة (لاإله إلا الله) القول باقتضائها الكفر بالطاغوت ونفي سائر الديانات والتأويلات، أو أن معناها : (لامعبود بحقٍ إلا الله). ونشر بالجريدة نفسها في العدد (14419) مقالةٌ بعنوان : (الآخر في ميزان الإسلام) قرَّر كاتبها أن الإسلام لا يكفِّر من لا يدين به إلا إذا حال بين الناس وبين ممارسة حرية العقيدة التي يدينون بها. وزعم أن دين الإسلام خلافاً لرأي المتشددين لا يكفر من لم يحارب الإسلام من الكتابيين أو من أتباع العقائد الأخرى، بل عدَّهم من الناجين. وبرفق السؤال صورة من المقالتين المذكورتين. فما قولكم في ذلك حفظكم الله. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... الحمدلله . فإن من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عامةٌ للبشرية كلها ، بل للثقلين الجنِّ والإنسِ. فمن لم يقرَّ بعموم رسالته فما شهد أن محمداً رسول الله، مثل من يقول : إنه رسولٌ إلى العرب، أو إلى غير اليهود والنصارى. ومقتضى عموم رسالته أنه يجب على جميعِ البشر الإيمان به واتباعه. سواءٌ في ذلك الكتابيون اليهود والنصارى، أو الأميون وهم سائر الأمم. قال تعالى : (فإن حاجُّوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعنْ. وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم. فإن أسلموا فقد اهتدوا. وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصيرٌ بالعباد). وقال تعالى : (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً). وفي الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصةً ، وبعثت إلى الناس عامةً). وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عليه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (والذي نفس محمدٍ بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة ؛ يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ. ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار). ومن هذا الأصل أخذ العلماء أن من نواقض الإسلام اعتقادَ أن أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فمن زعم أن اليهود والنصارى أو غيرهم أو طائفةً منهم لا يجب عليهم الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، ولا يجب عليهم اتباعه، فهو كافرٌ وإن شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وبهذا يتبين أن (من زعمَ أنه لا يكفرُ من الخارجين عن الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم ، إلا من حاربه) ، أو زعم (أن شهادة ألا إله إلا الله لا تقتضي الكفر بما يعبد من دون الله، والبراءة منه ومن عابديه، ولا تقتضي نفيَ كلِّ دينٍ غير دين الإسلام مما يتضمن عدم تكفير اليهود والنصارى وسائر المشركين) فإنه يكون قد وقع في ناقضٍ من نواقض الإسلام. فيجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك. فإن تابَ ورجع، وإلا وجب قتله مرتداً عن دين الإسلام، فلا يغسَّل ولا يكفَّن ، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون. فنعوذُ بالله من الخذلان وعمى القلوب، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. وإن من المؤسف المخزي نشر مقالاتٍ تتضمن هذا النوع من الكفر في بعض صحف هذه البلاد المملكة العربية السعودية؛ بلاد الحرمين. فيجب على ولاة الأمور محاسبة هذه الصحف على نشر مثل هذا الباطل الذي يشوِّهُ سمعة هذه البلاد وصورتها الغالية. وليعلم الجميع أنه يشترك في إثم هذه المقالات الكفرية كل من له أثرٌ في نشرها وترويجها من خلال الصحف وغيرها ، كرؤساء التحرير فمن دونهم كلٌ بحسبه. فليتقوا الله وليقدروا مسؤوليتهم و مقامهم بين يدي الله. نسأل الله أن يهديَ الجميع إلى صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين. وصلى الله على محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين. أملاه عبدالرحمن بن ناصر البراك. غرة ربيع الأول 1429ه * ومن خلال متابعتي لهذه المعركةلاحظت ولاحظ غيري أن السؤال طرح على فضيلة الشيخ البراك جاءمنقوصاً . والمتمعن في العبارة التالية من مقال أبا الخيل وقراءتها بهدوء مع التمعن في الآيتين الواردتين ,يرى أن ابالخيل يتحدث عن ماثبت في التاريخ الإسلامي ,مستدلابايات قرانية , وربما التبس على البعض ذلك. حيث يقول ابالخيل : فلم يرمهم الإسلام بالكفر على الرغم من بقائهم على دينهم، بل اعتبرهم من ضمن الفرق الناجية. يؤكد ذلك قوله تعالى في حق المذاهب المسيحية التي رفضت عقيدة التثليث (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون) وكذلك قوله تعالى في حق الكتابيين عموماً ممن بقوا على دينهم ولم يحاربوا الإسلام، كما بقية الطوائف الأخرى التي بقيت على الحياد من رسالة الإسلام (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا يحزنون). ومما يدل على أن القرآن لا يضع مخالفيه كلهم في خانة واحدة، أنه استخدم (مِن) التبعيضية عند حديثه عن أهل الكتاب، كما في قوله تعالى (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم) ومفهوم المخالفة هنا أن من أهل الكتاب من ليس بكافر، يؤيد ذلك أنه عطف المشركين كلهم على من كفر من أهل الكتاب ولم يستخدم في حقهم (من التبعيضية). كما يؤيد ذلك أيضاً قوله تعالى (ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون). وربما يقول قائل: إن من أثنى عليهم القرآن، سواءً من أهل الكتاب أو من أتباع العقائد الأخرى، قد دخلوا مسبقاً في الإسلام. وأنا أقول: لو كان الأمر كذلك، لما نعتهم بالنصارى أو بالذين هادوا أو بالصابئين، ولسماهم مسلم وهنا رد عبدالله بن بجادعنوان المقال : لا لا للتطرف، ولا للإرهاب، ولا للخضوع للتخويف والتهديد والتحريض، لا لمن يسعون لنشر الظلام، ويهتفون باسم السواد القاتم والدم القاني، المرتلين ألحان الكراهية البغيضة على أسماعنا، الناثرين لصديد أفكارهم المتطرّفة على مرأى من أعيننا. لو قلّبوا صفحات التاريخ قليلاً، لعلموا أنّ الباحثين المقتنعين بأفكارهم لا يتراجعون بسبب عويل متطرفٍ هنا، وصراخ متشددٍ هناك، بل يثبتون ويؤكدون على أفكارهم وقناعاتهم، ويعلمون أنّ صرخات المتشددين دليلٌ على إصابة موضع العطب، وعويل المتطرفين برهانٌ على وضع اليد على الجرح، ويوقنون أنّه من هناك يبدأ الحلّ، ومن هناك نضع أقدامنا على طريق الألف ميل نحو تحرير الإسلام من أيدي خاطفيه المتطرفين، وطريق الألف ميل في بناء حضارةٍ ورقيٍ تجعلنا نتواصل مع العالم من حولنا بلا عقد كراهية ولا إكراهات بغضاء، طريق الألف ميل في سبيل استعادة كينونتنا الإنسانية وفرديتنا التي يسعون لوأدها ليحولونا لقطيعٍ يسوقونهم بعصيّ تطرفهم ذات اليمين وذات الشمال. كم نحن اليوم بحاجةٍ إلى أن ننتصر للإسلام ممن يزعمون أنهم حماته وهم خاطفوه وألقوا على أكتافه ما تنوء بحمله قداسته من تأويلاتهم المتطرفة. ثار الثائرون على الشافعي حين جاء بالرسالة وكانت في زمانها تطويراً حقيقياً للعقل المسلم، حتى وصفها بعضهم بالأمر المحدث، ولكنّه لم يرضخ لهم وقال: "لا"، ونشر الرسالة قدر ما استطاع، فكانت نقلة في تاريخ العقل المسلم نحو التغيير والتطوير والبناء. أجلب المتشبثون بأهداب السائد، المنافحون عن المألوف، على ابن رشدٍ حين أبدع في التوفيق بين العقل والنقل، بين الشريعة والفلسفة، ولم ينحن ابن رشدٍ لعاصفتهم الهوجاء، بل استمرّ وازداد إبداعاً وتألقاً أضاء به ما بعده من قرونٍ لا في تاريخ المسلمين فحسب، بل في تاريخ البشرية كلها. نعق الناعقون على الشاطبي حين افترع علم مقاصد الشريعة، واتهموه بما شاءت لهم أفكارهم السوداء وعقولهم المغلقة وأذهانهم البليدة، فلم يرع لهم سمعاً وبقي إبداعه حدثاً طوّر العقل المسلم خطواتٍ عمّا كان عليه من قبل. إنّ سلسلة الباحثين الأحرار والمبدعين المميّزين طويلة الذيل في تراثنا الإسلامي، الطبري وابن الجوزي وابن سينا والرازي وأبو الوليد الباجي وغيرهم كثير، وما يجمع بين هؤلاء كثيرٌ من أهمّه أنّهم كانوا عندما يحاول الجمود قبر أفكارهم وإبداعاتهم ينادون بصوتٍ عالٍ واثقٍ قائلين: "لا"، بل حتى المنتسبين إلى المدرسة السُنيّة التقليدية تعرضوا للتكفير في مسائل دقيقة، ابن حبان كفّره المتشدّدون في مسألة "اكتساب النبوّة"، وأبو الوليد الباجي كفروه في مسألة "أمية الرسول"، وابن تيمية كفّروه في مسألة "تسلسل الحوادث" وغيرها. أحاديث التاريخ لا تكاد تخطئ فضلاً عن أن تكذب، وقد حدثتنا أنّ الظلام لا يقف للنور، وأنّ التزوير لا يواجه الحقيقة، وأن الجهل لا يهزم العلم، إن التنوير لا يفتي بالقتل لأنه خصيمه، ولا ينصب المشانق لأنه يحاربها، ولا يكفّر المخالف لأنه مع حرية الرأي والتعبير، لكنّه يملك الحجّة التي بها يناضل، والرؤية التي عنها يدافع، والهدف الذي إليه يسعى وينصب. في عام 1235م أسّس البابا غريغوريوس التاسع محكمة تفتيشٍ في الفاتيكان، كانت الخطوة الأولى التي انتشرت بعدها محاكم التفتيش في كامل أوروبا، تلاحق المفكرين والعلماء والباحثين، تقتل هذا وتعذّب ذاك، تشنق هذا وتمزق ذاك، باسم الله والدين، وتصدر فتاوى التكفير والاتهام بالهرطقة والزندقة، لاحقت هذه المحاكم غاليلو لأنه قال بأن الأرض تدور، وطاردت نيوتن لأنه قال بأن ظواهر الطبيعة يمكن تفسيرها بربط بعضها ببعض دون تدخل قوىً خارجية، وآذت ديكارت وسبينوزا وداروين وبرونو وغيرهم كثير ممّن لم يخضعوا ولم يتراجعوا ونادوا بصوتٍ عاقلٍ متزنٍ قائلين: "لا"، وانتصرت أفكارهم في النهاية وبقوا في ذاكرة البشرية مشاعل نورٍ وأعمدة علم، وأخمل التاريخ ذكر جلاّديهم حتى لا نكاد نعرف منهم إلاّ أقلّ القليل. ما أشبه الليلة بالبارحة!، هكذا جرى على ضفاف السين في فرنسا، وعلى ضفاف التايمز في إنجلترا، وعلى ضفاف الراين في ألمانيا، وهكذا حدث ويحدث على ضفاف وادي حنيفة في السعودية، وعلى ضفاف النيل في مصر، وعلى ضفاف الأنهار المتحدرة من جبال أطلس في المغرب، وستظل شعلة التنوير والتغيير والتطوير سيفاً مصلتاً على رؤوس الظلاميين والمتحجرين والمتخندقين في كهوف الظلام. نتذكر أسماء كبيرةً طالتها ملاسنات المتشددين بفتاوى تكفيرٍ ودعاوى تشويهٍ وتحريضٍ على القتل وحرمانٍ من الرزق وغير ذلك من أساليب الحرب الشرسة التي يشنّها التشدّد كلّما شعر بالاختناق من جرّاء طرح هذه الأسماء وأمثالها، فنذكر هنا الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وطه حسين وقاسم أمين وفرج فوده ونصر حامد أبو زيد كما نتذكر غازي القصيبي وتركي الحمد وحمزة المزيني وعبدالله الغذّامي ومنصور النقيدان ونستحضر الجابري وحسن حنفي وغيرهم كثير. كم نحن اليوم بحاجةٍ إلى أن ننتصر للإسلام، أن ننتصر له من خصومه الألدّاء، خصومه الأكثر جنايةً عليه، خصومه الذين يزعمون أنهم حماته وهم خاطفوه، لقد ألقوا على أكتافه ما تنوء بحمله قداسته من تأويلاتهم المتطرفة وبشريتهم المدنّسة، ورموا عليه من نجاسات فكرهم وبشريتهم المشوّهة ما أضنى طهوريّته. لم يكن في وضوح مبادئ الإسلام وسهولة ثوابته ما يمنعهم من إغراقها في مبادئهم هم وثوابتهم هم، وذلك إمّا عبر تضخيمها وتكبيرها وتوسيعها حتى تشمل كلّ ما هبّ في أذهانهم ودبّ في قلوبهم من قطعيّة وإقصائية وتضييق وتجبر وظلم، وإما بتفريغها من معناها الأصلي لتوافق ماله يسعون وينصبون. ليست ثوابت الإسلام -فحسب- هي ما شوّهه واختطفه هؤلاء الزاعمون أنهم حماة الدين ورعاته، بل حتى محرّماته لم يكادوا يتركوا منها محرماً إلا انتهكوه، فالدم الحرام –على سبيل المثال- لم يصبح كلأً مباحاً فحسب، بل أصبح سفكه قربةً لله وليست قربةً مستحبةً فحسب بل قربةً واجبةً ومفروضةً! وأنا أطالع كتب المتشددين في التراث الإسلامي قديماً وحديثاً وأتأمل خطاباتهم، لا ينقضي عجبي من قدرتهم على تخريب كلّ مبدأ نبيل، وتشويه كلّ فضيلة ساميةٍ، وإفراغ كل قيمةٍ من قيمتها، وكل خلقٍ من أخلاقيته، وتضييق كل متسع، وتوسيع كل ضيق، باختصار لقد نظّروا لنقيض ما أراد الإسلام، وبنوا ما أراد أن يهدم، وهدموا ما أراد أن يبنى. مشكلة بعض هؤلاء مع الإسلام أنهم تلقّوه مشوّهاً واقتنعوا به حتى تغلغل في دواخلهم، وخالط ضمائرهم وأستحوذ على ألبابهم، وهم عاجزون بحكم قدرتهم الذهنية وبيئتهم المحيطة عن الانعتاق من هذا التشويه والتخلص منه عبر مساءلته عقلياً ومحاججته بالبرهان والدليل، لذا تجدهم يدافعون عن السائد لأنه سائد، وعن المألوف لأنه مألوف، ويحيلون مسائل العلم إلى إيمان، بل ويحيلون العادات الاجتماعية إلى عباداتٍ شرعيةٍ، والمسائل الفرعية في الدين إلى أصولٍ إيمانيةٍ، لتستمر جنايتهم وتتواصل سلسلة الجناية على الإسلام ممن يحسبون أنهم رعاته ودعاته وهم لا يعدون أن يكونوا كهنة التشويه وأحبار الحراسة. إن دعاة التنوير والتغيير والتطوير يجب ألا يستكينوا لمثل هذه الحملات المغرضة والتأليب المدروس والتحريض الدموي، فتلك شنشنة نعرفها من أخزم، ويجب أن تصل الرسالة واضحة للمتطرفين بأنّ التنوير قادمٌ والتغيير مقبلٌ والتطوير سيظلّ على الدوام هدفاً ورسالةً، وأنّ الإسلام الذي جاء رحمةً للعالمين هو الذي سينتصر ويبقى، وسيكون لتشويهاتهم وتخريفاتهم مكانٌ رحبٌ في مزبلة التاريخ.