هناك مثل يقول: «تكلّم حتى أراك». وهو قول منسوب إلى الفيلسوف سقراط، عندما تحدّث تلاميذه كلهم إلاّ واحدًا، فطلب منه الكلام حتى يراه! وكأنه بذلك أراد أن يكتشف شخصيته على حقيقتها، ولا يكتفي بمظهره. ولعل قريبًا من هذا ما قاله الإمام أبو حنيفة، حينما سأله رجل حسن المظهر عن وقت إفطار الصائم، فقال له إذا غربت الشمس، فسأله الرجل: وإذا لم تغرب؟ قال أبو حنيفة قولته المشهورة: «آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه»، وكأنه يقول إن كلامك أزال هيبتك. وأنتِ حينما ترين الفتيات من حولك من زميلات أو قريبات، فإنك في الغالب تستطيعين التمييز بين العاقلة وغيرها من أول لقاء، وذلك من خلال منطقها وطريقتها في الكلام. ومع أن الكلام الحسن من سمات الشخصية الراقية، إلاّ أنه أيضًا بوابة تواصلك مع الآخرين. فالانطباع الأول الذي يرتسم في أذهان الناس عنك يتشكّل غالبًا من أسلوبك في الحديث معهم. تخيّلي فتاة تقابلينها للمرة الأولى، وتجدينها كثيرة التعليق على الآخرين، أو النَّيل منهم، والطعن فيهم، والسخرية من أشكالهم! فكيف سيكون انطباعك عنها؟ قارني ذلك بفتاة هادئة، تتحدّث بقدر معقول، لا تقاطع الأخريات، تتحدث باحترام عن الآخرين. لغتك الراقية التي تستخدمينها تعكس شخصيتك، وتؤثر على شخصيتك أيضًا. فلا تعوّدي لسانك على الألفاظ النابية، حتى وإن أكثرت الأخريات من استخدامها. لا تجعلي «أنا ما أقصد فيها شيئًا» بوابة للشيطان لتعويدك على سيئ القول، لأنها قد تقودك إلى سيئ العمل. جميل أن تحرصي على عدم التباسط ورفع الكلفة إلا مع صديقاتك المقربات، اللواتي استطعت بناء علاقة ثقة متبادلة معهن عبر فترة طويلة من الزمن، بحيث تكونين مطمئنة إلى أنهن سوف يفهمن مقصدك من كلماتك أو تعليقاتك العابرة، ولا يستغللنها ضدك. ويكفي لمعرفة هذا النوع من الصديقات أن إحداهن لو قيل لها إن فلانة (أي أنتِ) قالت كذا وكذا، فإنها سوف تقول مباشرة إنك من المؤكد لا تقصدين بها ما فهمته! بل إنها سوف تفسر كلامك وفق معرفتها بشخصيتك وطريقتك في التعبير عمّا يجول في نفسك. مثل هذه الصديقة فقط تستحق أن تتباسطي معها بلغتك وكلماتك، أمّا غيرها فتنبهي إلى أنه لا يناسبهن إلاّ لغتك الراقية، وربما الراقية جدًّا. عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود @mshraim [email protected]