علبة.. علبتان.. ثلاث علب.. علبة نظيفة، وأخرى قذرة، علبة سويّة، وأخرى مشوّهة! تبدأ بعد منتصف الليل، تحوم في الشوارع والأزقة المظلمة لتلتقط العُلب؛ فالعُلب الفارغة، هي مصدر رزقها الوحيد. بعض العلب سهلة المنال، وبعضها صعبة النزع؛ خاصة عندما تكون بين النفايات. عندما تخرج علبة ما تتأكد من تفريغ السوائل التي بداخلها، ثم تقذفها في الكيس، ليصدر ذلك الصوت المزعج، الذي يشبه صوت بعض البشر. أحب العلب إلى قلبها تلك العلبة المدعوسة، تبتسم عندما تحملها، تقلّبها ثم تضعها في كيس مخصص لها، وفي قعر الكيس تصدر العلبة أنّة مكتومة، العلب المدعوسة لا تأخذ مساحة في الكيس كالفارغة، ولا تكلفها أكياسًا أخرى، وعند البيع يكون الكيس الخاص بالعلب المدعوسة أثقل، وأكثر ثمنًا. نادرة هي المرات التي تجد فيها علبة ممتلئة، وتكون في الغالب من تلك العلب التي فقدت حلقة الغطاء، فلم يعد هناك طريق لفتحها إلاّ العطب، هي لا تعطب هذا النوع من العلب، بل تأخذها إلى بيتها، تجعلها فوق الخزانة، وترصها بجوار بعضها البعض، وبين حين وآخر تمسح الغبار عن بعض العلب.. علبة.. علبتان.. ثلاث علب.. في ذلك اليوم وضعت أكياس العلب في صندوق الدباب لتبيعها، توجهت مع السائق إلى الحراج، في الطريق أوقفت السائق، نزلت من الدباب لكي تلتقط علبة مدعوسة، ثم انطلقا مرة أخرى، وبينما هي تقلب العلبة المدعوسة سمعت أصوات البواري، أصوات مزعجة مثل أصوات العلب الفارغة، لم تدرك ما يجري، ثم اكتشف السائق أن الهواء أخذ يعبث بكيس العلب، حتى تطاير بعضها، العلب الفارغة الخفيفة أخذت تتساقط. توقف السائق، نزلت وربطت الكيس، بعد أن تركت على الطريق بعض العلب. علبة.. علبتان.. ثلاث علب.. عادت في المساء إلى بيتها بعد أن قبضت الثمن، اشترت خبزًا وماءً لأطفالها الثمانية، الأطفال كانوا يلتهمون الخبز، ويتجرعون الماء، وينظرون في العلب التي فوق الخزانة، العلب الممتلئة النظيفة التي تشبه التحف.. ناموا مبكرًا، شاهدوا في أحلامهم مجموعة من العلب الممتلئة، نامت معهم لتحلم بعالم من العلب المدعوسة! تنقطع الأحلام، تستيقظ بعد منتصف الليل، تخرج عربتها، تعلق أكياسها، تنطلق إلى أزقة المدينة لتلتقط العلب.. علبة.. علبتان.. ثلاث علب..