بين التلال المغطاة بأشجار السرو قرب مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، يقع مكب نفايات كريه الرائحة يشكل مصدرا للرزق وحتى المبيت لعشرات الأولاد والرجال الذين يعتاشون عليه. لا يقطع الصمت في المنطقة القريبة من قرية يطا والمحاطة باشجار الزيتون الا صوت الجرافة التي تغطي النفايات المفروزة بالرمل والتراب وصيحات العمال الذين يلتقطون النفايات ويجمعونها، وعدد كبير منهم من الأطفال. هنا تنتهي مخلفات الحياة اليومية للناس بدءا من بقايا الطعام والملابس القديمة والعلب المعدنية وقناني سوائل التنظيف وغيرها. رجال وأطفال يجمعون مايمكن الاستفادة منه كالالمنيوم والبلاستيك والخشب لإعادة بيعه في السوق وفي آخر التل المكون من طبقات من النفايات المغطاة بالرمال والمكدسة فوق بعضها، تنتشر مساكن مؤقتة للعمال صنعت من ألواح خشبية وغطيت بأكياس القمامة او قطع قماش لتوفر لهم مكانا ينامون فيه. ويعيش العديد من العمال في هذه الأكواخ خلال ايام الاسبوع، فهم ينامون فيها بدلا من العودة يوميا الى قرية يطا وهذا يعني استعدادهم لفرز اي نفايات تأتي بعد حلول الظلام. ومع ان العمل في فرز النفايات شاق ومتعب الا انه في الوقت ذاته احد مصادر الرزق القليلة في الضفة الغربية التي تبلغ نسبة البطالة المعلنة فيها حوالي 15,2%. عمل معظم الرجال البالغين من عمال المكب في اسرائيل في التسعينيات الا انهم وجدوا انفسهم بلا عمل بعد تعزيز الاجراءات الامنية في بداية الانتفاضة الثانية في العام 2000. اما الاطفال فيأتون الى هنا للعمل بعد ان يعجز اباؤهم عن ايجاد عمل أو يصبحون عاجزين عن اعالة أسرهم. ويروي محمود نبهان (17 عاما) "كان ابي يعمل هنا ولكنه وقع واصيب في رجله ولم يعد قادرا على العمل. لذلك اخرجني من المدرسة وبدأت بالعمل مكانه". ويضيف نبهان "كان عمري 12 عاما عندما اخرجني من المدرسة ولكني لا اريد العودة اليها. انا واخي نكسب المال ونصرف على كل اسرتنا". ويغطي نبهان وأخوه البالغ من العمر 13 عاما رأسيهما بكوفية للاحتماء من اشعة الشمس، كما يلفانها حول وجهيهما لتخفيف الرائحة الكريهة المحيطة بهما. مع وصول الشاحنات المحملة بأطنان من النفايات من القرى والبلدات الفلسطينية المجاورة ومن المستوطنات الاسرائيلية ايضا، يتراكض الاطفال ويتحلقون حولها عندما تلقي بحمولتها محاولين التقاط اكياس القمامة التي يعتقدون انها قد تحتوي على مقتنيات ذات قيمة. وقد يسعف الحظ احد المراهقين فيعثر على فرشة للنوم ويقبل عليها بسرعة لنزع الغطاء الخارجي والحشوة لاستخراج الهيكل المعدني. وينكب الاخرون على تفتيش النفايات المنزلية ليفصلوا الانواع المختلفة عن بعضها فيضعون العلب المعدنية في جانب والبلاستيكية في جانب اخر، واكوام الخشب في كومة ثالثة. ويواجه فتى صعوبات في فك اسلاك حمراء ورمادية متشابكة وجدها في كيس. تفصل المواد القيمة التي يمكن اعادة بيعها في السوق كالالمنيوم والبلاستيك والخشب وتؤخذ الى مدينة الخليل القريبة حيث تحولها المصانع الى كتل تبيعها في اسرائيل والخارج. ويقول محمد ربيع (17 عاما) "لكل واحد منطقة يضع فيها اغراضه ليبيعها وحده. لا يوجد مسؤول هنا، كل يدير شؤونه بنفسه". الا ان ربيع يشير الى ان هناك الكثير من الاشياء التي لا تعرض للبيع. ويقول "احيانا نعثر على ملابس جيدة فنقوم بغسلها والاحتفاظ بها لانفسنا". ويفتش اطفال في سن العاشرة بين كميات القمامة التي لا يتوقع العثور فيها على اشياء ذات قيمة والمغطاة بالرمل. الطفل محمود طلب الذي يقول ان عمره "10 او 11 عاما"، بدأ العمل في المكب قبل ثلاثة اعوام بعد ان توفي والده وترك عائلته دون معيل. ويقول محمود " انام هنا كل ليلة واعود الى المنزل بين الفينة والاخرى ". ويشير محمود الى تفضيله النفايات الاسرائيلية على العربية لانها "تحتوي على كمية اكبر من المعادن وانا بحاجة الى المال الان". الا ان محمود وغيره من الاطفال الذين يعملون كل يوم وينامون في الموقع الذي لا يوجد فيه ماء لا يحصلون سوى على 20 او 30 شيكلا (8 دولارات) في اليوم. شاب يبحث في القمامة عما يمكن الاستفادة من بيعه أطفال وشباب يسكنون في صنادق قريبة من مكب النفايات