حضرت ورشة العمل المسرحي بالطائف التي أقيمت مؤخرًا لقراءة مسرحية «يا ورد مين يشتريك».. مسرحية «المنودراما» من فصل واحد.. جعلتني ألتقط أنفاسي مع كل شيء.. وصار انتظاري يعشق انتظاري.. فقط لأن المسرح كان يقدم شاعرية منسكبة.. متدفقة بشكل ندي وعذب يأسرني بشكل ممتع يجذبني ويجعلني أتابع كل التفاصيل الدقيقة التي سكنت العمل.. القراءة التحليلية... نَصَب سجنه انكفئ فوق كرسيه التهبت الذكريات لديه تناثرت إلى أجزاء صغيرة وكبيرة كل الحكايات التي انتشرت على خشبة المسرح كانت تؤكد حتمية القدرية المحبطة تفاصيل البحث عن الصوت جعلته ينطوي تارة.. وتارة ينسحب نحو العمق.. وأخرى يقفز للمقدمة حبيبته غادرته حبيبته الليل.. حبيبته البحر.. حبيبته القمر حبيبته التي تركت مكانها خاليًا ل منديلها الأزرق حبيبته التي جعلته ينسج لنفسه تابوتًا ينقله صوب النهاية.. تلك التي بدأت منها فارقته بعد أن وضعت منديلها الأزرق بجوار نافذة الأمل أنغمس وسط شاعريته المجنونه تداخل وسط كل شيء داخل دمعه.. داخل ضحكه.. داخل كل شيء.. كل شيء بدا هادئًا.. أقرب إلى السكون متشنجًا.. أقرب إلى الجنون ممتلئًا.. حد الشبع فارغًا.. حد القحط لم يستمع لكلمة كانت تداعب ذاكرته.. فتطفئ كل شيء يثور بداخله.. كانت كلماتها كالحلم الذي ينام لأجله حكايتها الصغيرة التي انطلقت منها.. وانتهت فيها.. وعاشت لها ممتلئة بعبق الأنوثة الساحرة تلك التي تسكن قلبها الصغير المثمر وتعيش فوق شفتيها التي تشبهان العناب وتتمتع بعزفها.. بتلك الأنامل التي تشبه البلور كانت ثورة الغضب كفيلة بأن تخرجه من طوره كانت مرارة الفقد كافية لأن يسكن داخل الأشرطة التي كوّنت قضبانًا حوله «يا ورد مين يشتريك؟».. عندما يكون للذكريات طعم داخل أسوار الحكايات.. عندما تكون الحبيبة «منديل» ترقص فوق كل خلايا الحس وتنتشي بالصوت.. وتذوب عند حد الرقص.. «يا ورد مين يشتريك؟».. ستشتريك أصوات الأزيز المزعجة التي يصدرها العقل.. وتترجمها لغة «أشرطة الفيديو» سيشتريك الهم «المسجون» داخل كراسي سيشتريك الأمل.. ذلك الذي يخشى من نافذة أن تُفتح.. فيعجز عن تحقيق نفسه «يا ورد مين يشتريك؟».. سيشتريك الليل الذي غزل النجوم داخل مواصفاتك المنتظرة «يا ورد مين يشتريك؟».. سيشتريك ذلك الذي طوّقته حبيبته فبات يجلب لها كل يوم باقة منك.. وكان يستهلك كل شيء فيه لأجلك.. حتى كرامته «يا ورد مين يشتريك؟».. سيشتريك الكل.. فقط عند عودتها مرتدية منديلها الذي يتعانق مع ذكرى.. داخل حمى أصفق بحرارة لكل أفراد العمل الذي أمتعني بحق النص كان ممتلئًا بالشاعرية.. تلك التي يمتلكها فهد ردة ويجيّرها لصالح النص المسرحي الممتلئ بالعذوبة التي زادت من ارتفاع وتيرة العمل المسرحي.. كان الإخراج الذي أتقنه عبدالعزيز عسيري راقيًا من الدرجة الأولى لا سيما أنه استفاد من جميع الأدوات التي وظّفها لخدمة الممثل.. استفاد العسيري من خمسة أماكن مسرحية دارت فيها أحداث العمل الذي نشأ من كرسي وانتهى بجوار النافذة التي خلقت للممثل تلك الروح التي شاهدناها على خشبة العرض المسرحي.. مساعد الزهراني.. استخدم أدواته المسرحية واستفاد من تقنياته التي جعلها تدور ضمن سياق العمل.. يملك الزهراني مخزون جيد من لغة الجسد التي مكّنته أن يوصل المسرحية لقمتها وارتفع بنا عاليًا من خلال استخدام السينوغرافيا التي وظّفها العسيري.. المقطوعات الموسيقية التي كانت تحكي قصة أخرى تسير بخط مواز للعرض مسئولية محمد العصيمي الذي استفاد من مقطوعة موسيقية للفنانة فيروز والفنانة سعاد ماسي (جزائرية) وجعل الصوتيات ذات بُعد يجذب المشاهد لمتابعة التفاصيل الدقيقة.. والكبيرة الإضاءة المسرحية التي خلقها جميل عسيري كفيلة لأن تخلق عوالم خاصة داخل عقل المتلقي.. توظيف اللون كان متميزًا لدرجة الذهول.. العمل بالمجمل يجعلني أصفق بحرارة لأعضاء ورشة العمل المسرحي. * مخرج مسرحي - ينبع