مع انتشار وسائط الاتصال الحديثة ودخولها في حياة الناس بشكل واسع وكبير، كان من الطبيعي أن يكون لهذه التقنيات الحديثة حضورها في برامج وأنشطة الأندية الأدبية، التي بدأت بالفعل في توطين هذه التقنيات الحديثة في عملها من خلال نقل مباشر لفعالياتها عبرها.. ضامنة بذلك سرعة انتشار فعالياتها، واتساع دائرة التلقي لنشاطها، خاصة أن هذه الفعاليات عادة ما يكون حضورها خجولًا، يصل في بعض الأحايين لأن يحتل الفراغ الكراسي المصفوفة في مشهد شكت منه الأندية الأدبية كثيرًا، ونوقشت أسبابه برؤى مختلفة. دخول التقنية الحديثة في نقل نشاط الأندية الأدبية تفاوتت حوله الآراء، ففي الوقت الذي يؤيده البعض بحجة أن مثل هذا السلوك يعبر عن تماشٍ مع روح العصر، واستثمار لمعطيات الحداثة وتوظيفها بالشكل الأمثل خدمة لبرامج ونشاطات الأندية الأدبية، مع تشديدهم على ضرورة التوسع في هذا المجال، يرى آخرون أن استخدام مثل هذه التقنية لن يفيد كثيرًا فما دام الجمهور قد عزف عن حضور الأمسيات والفعاليات في الأندية الأدبية بحجة برودها وعدم تلبيتها لحاجته الثقافية والمعرفية فإن نقلها عبر الوسائط التقنية لن يغير من واقعها شيئًا فالنشاط هو النشاط نفسه سواء كان على المنبر أو على «الفضاء» داعين الأندية الأدبية إلى معالجة أمر النشاط قبل الشروع في نقله إلكترونيًا.. جملة هذه الآراء في سياق هذا التحقيق حول النقل الإلكتروني لنشاط الأندية الأدبية وجدواه.. تجربة مميزة تجربة نادي الباحة الأدبي في هذا المجال أجملها الدكتور عبدالله غريب نائب الرئيس بقوله: كان لنا ذلك بداية من ملتقى الرواية وملتقى الشعر؛ حيث طرحت الفكرة على مجلس الإدارة فباركوا الخطوة ووفروا الإمكانات التي يمكن المطالبة بها وهي مادية طبعًا وغير مكلفة، فكان أول انطلاق النقل المباشر بالتعاون بين اللجنة الإعلامية التي أرأسها والزميل الإعلامي عبدالرحمن أبورياح عضو اللجنة وبمباركة الزميل الشاعر حسن الزهراني رئيس النادي بعد أن قمنا بتجربة فحققت الغرض في زمن قياسي، وبالتالي تطورت الفكرة هذا العام بعد أن زارنا أحد المهتمين بالنقل التلفزيوني المباشر هو الأخ صالح الزهراني الذي طور الفكرة بخبرته السابقة وهو أحد الهواة لهذا العمل التقني الذي يعتمد على خدمات ال(دي إس إل)، وقرر المجلس نقل جميع فعاليات النادي بما فيها الأمسيات الشعرية والقصصية والمحاضرات إلى جانب الملتقيات عبر هذه التقنية، ولا أعتقد أنها أثرت في الحضور بل ساهمت في خدمة المثقفين في أنحاء المعمورة، وقد تلقيت شخصيًا في بعض الأنشطة اتصالات يعبر أصحابها عن شكرهم للنادي، كما استقبل رئيس النادي وبقية الزملاء أعضاء المجلس اتصالات مماثلة تشيد بهذه الخدمة التي تتيح لمن لم يستطع الحضور أن يعيش مع النشاط وكأنه أحد الحضور، ولدينا فكرة جديدة ستطبق وهي أن نتيح الفرصة لمداخلين من داخل المملكة وخارجها بأن يداخلوا هاتفيًا أو عبر الأسكايبي أو خدمة التانقو بالصوت والصورة من خلال توفير البنية التي تتيح لنا وللجمهور الاستفادة من التقنية الحديثة إلى جانب طرح جميع النشاطات في موقع النادي بالصوت والصورة. وسائط مغرية وتشارك الدكتورة عائشة الحكمي بقولها: في زمننا المعاصر نلاحظ أننا ننصرف تلقائيًا لتقبل الجديد المفيد والمكمل لمجريات الحياة، ومن الأشياء التي تقبلناها بسرعة هي التقنية الحديثة بكل أشكالها، فأسهمت في تغيير أنماط روتينية اعتدناها وأصبحنا لا نستطيع الانجاز إلا من خلالها سواء في المنزل أو العمل ومن المجالات الأكثر استجابة لأدوات التقنية الإلكترونية المجال الثقافي فقد أسهمت في تطويره وانتشاره تلقيًا ونتاجًا؛ لكونها وسائط مغرية تعتمد على الكلمة والصورة والصوت والحركة تستحوذ على جميع حواس المتلقي فاستغلت المؤسسات الثقافية هذا الجانب من أجل تنويع وسائط التفاعل وتعميم الفائدة. وتضيف الحكمي: حين تلجأ الأندية الأدبية لاستغلال الإمكانيات الإلكترونية فهي تواكب كل جديد وتلحق بالركب وتوصل رسائلها حتى لا يكون للمتلقى حجة النفور من الوسائط التقليدية، وحين تقدم أمسياتها عبر النقل الإلكتروني يحسب لها ويؤكد حرصها على الوصول إلى الجمهور في كل مكان وفي عقر داره بكل الطرق وأقصرها؛ خاصة أن الأندية الأدبية بالفعل تعاني من انكماش الجمهور وهو على حق فإذا كانت كل أنواع الثقافات تصل إليه بضغطة زر وهو مستكين في منزله فلماذا يكلف على نفسه ويذهب إلى قاعة المحاضرات الرتيبة!. وختمت عائشة بقولها: إنني مقتنعة تمامًا بهذا الاجراء الجديد للأندية وعلى كل الأندية العمل به للتنويع في الوسائط فمن رغب في الحضور فهو خير وبركة ومن فضل المتابعة في مكانه فهو أمر هائل لكن ليس من رأى كمن سمع، فمهما قرأت للعلماء والمفكرين فإنك ستحصل على النصف من المعرفة؛ لكن حين تلتقي بهم وجهًا لوجه تسمعهم تراهم تحاورهم فستكمل النصف الآخر. منابر مفرغة الدكتور محمد الثبيتي شارك بقوله: حتمًا ما قامت به بعض الأندية الأدبية من استخدام التقنية -مع أنني من مؤيدي توظيف هذه التقنية في مسافات جميع الأنشطة- إلا أن الدافع لمثل هذا العمل في الأندية المتكلسة لا يندرج تحت التوظيف، بقدر ما يعني إفلاسها في جذب المهتمين إلى قببها التي تحولت إلى منابر مُفرغة من الداخل، فالأندية الأدبية لن تستطيع القيام بدورها الفاعل إذا تمادت في ممارساتها غير المهنية -وهذا حكم غير قابل للتعميم- فبعض الأندية لديها ما تفعله وبوعي ونضج ثقافي مميز، فالمتابع لأنشطتها وبرامجها يجدها لا تعكس -مطلقًا- توافر رؤية بعيدة المدى لتفعيل الحراك الثقافي -محليًا وإقليميًا- ولكن ما نلاحظه لا يتجاوز أن يكون تسطيحًا للوعي، وعبث في جسد الثقافة، الأمر الذي حدا بالكثير -ممن يحترم عقليته- بتجنب الدخول في مهاترات وجدل سفسطائي مع المحسوبين على الثقافة والأدب، مما انعكس سلبًا على الحضور، وقيام الأندية بالبحث عن بديل لحفظ ماء وجهها -المُهدر في الأصل- وتم لها ذلك من خلال توظيف وسائط التقنية في التشهير بفعالياتها. توظيف مثالي وخلافًا لرؤية الثبيتي الناقدة لاستخدام التقنية الحديثة يرى خليل الفزيع رئيس أدبي الشرقية أن نقل أمسيات الأندية الأدبية عبر النقل الإلكتروني هو توظيف لهذه التقنية في خدمة الثقافية، وهي تقنية تفرض نفسها للوصول إلى أكبر قطاع ممكن من الناس الذين تمنعهم ظروفهم من الحضور لهذه الأمسيات إما بسبب الانشغال أو بسبب بعد المسافة او لأي سبب آخر، ومن جهة أخرى فإن استخدام هذه التقنية يغطي تدني نسبة الحضور لهذه الأمسيات، وبذلك يتحقق الهدف من النقل الإلكتروني، وهو الوصول إلى المتلقى في أي مكان، وبالتالي زيادة عدد المستفيدين من هذه الأمسيات. صالون تكنوثقافي أما رؤية الدكتور عبدالرحمن المحسني حول القضية فقد صاغها بقوله: أيما كان تحليل الفعل فلا يعفي مطلقًا من صحة الاتجاه. فنقل فعاليات الأندية إلى المجال التقني والاستفادة من الطاقات الكامنة وراء شاشات الأجهزة الذكية هو فعل حسن واستثمار في مكانه وإذا لم تفعل الأندية ما تأمر به التقنية فهو نذير فناء لها. وتجدر الإشارة إلى أن كثيرًا من الأندية تفقد الخبرات التي يمكن أن تعزز هذا الفعل الثقافي التقني وهو أمر يجب أن تفعله كافة الأندية حتى بالاستعانة بمؤسسات متخصصة لتفعيل هذه الجوانب المهمة جدًا. وإذا كان التحقيق يشير إلى تناقص أعداد الحضور لفعاليات الأندية وهو مؤشر سلبي سببه الأول وجود غناء ثقافي لدى المستهلك الثقافي في مكامن الفعل الثقافي التقني المليئ بكل ما يمتع والباعث على التفاعل والمشاركة عبر وسائط بسيطة وقليلة الكلفة مما يجعل العمل الثقافي على الشبكات الإلكترونية أكثر فاعلية وقيمة. ولأجل كل ذلك كانت فكرة إنشاء (صالون تهلل التكنوثقافي) الذي شاركني في فكرته وبدأنا العمل عليه فعلًا زميلي التقني والمثقف الأستاذ ماجد القحطاني. فشل جماهيري وإلكتروني ويقول عضو مجلس إدارة أدبي الجوف ورئيس لجنة الإعلام والنشر محمد هليل الرويلي: إن نقل الفعاليات الثقافية التي تنظمها الأندية من أمسيات شعرية وقصصية وندوات وقراءات نقدية وأنشطة نوعية عبر المواقع الإلكترونية ليس علاجًا يمكن صرفه لقلة الحضور فبإمكان المتابعين لهذه التقنية المرور من جوارها دون رؤيتها، الوسائل الحديثة قنوات التواصل الاجتماعي فرضت نفسها على المشهد الإعلامي وها هي اليوم تمد شرائحها للمتلقي الثقافي، فهناك من تحول بعض ظروفه الخاصة عن الحضور للمقاهي الثقافية والصيوانات الأدبية لكنه يتتبعها من خلال الصحف الإلكترونية ومواقع الأندية والصفحات الثقافية المختصة بالصحف الورقية، ومن الجميل جدًا أن تتنوع وسائل نقل الأندية الأدبية، لكن من المهم ايضًا أن تقنع المشاهد بجدية النشاط المقدم وروعته، ومثلما فشلت الأندية سابقًا بإقناع الجماهير للحضور لمقراتها فستفشل أيضًا في جذب المشاهدين لمواقعها الإلكترونية ما لم تجدد سياساتها في الإنتقائية بعيدًا عن المحسوبيات والحشو غير المبرر لبرامج الأندية دون أن يكون لها أثر إيجابي بعين وأذن المتذوقين، وهذا الشيء نلمسه بكل حسرة، وسببه ضعف الوعي الشعبي وضعف المحتوى المقدم في مواد الأندية. ظاهرة صحية القاص خالد المرضي قال: لا شك أن التقنية بدأت تتوغل في كل تفاصيل الحياة، لذا ليس بمستغرب أن تلجأ الأندية إلى هذه التنقية لإيصال نشاطاتها إلى المتلقي حيث كان، بل إن المستغرب هو في عدم فعل ذلك، فقد أصبحت التقنية أداة تواصل في كل مناشط الحياة، سواء عبر القنوات الفضائية أو مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر والفيسبوك، أذكر أن مقهى هافانا قام بتجربة مثيرة في نقل أمسية قصصية لشاعرة بريطانية كانت تقيم في لندن، كنا نستمتع بأمسيتها ونتداخل معها مباشرة من داخل المقهى، تقلصت المسافات وتقاربت الثقافات على تنوعها وإبداعها، لذا تجربة نقل الأندية لنشاطاتها ظاهرة صحية، تواكب تسارع الزمن وتبدل نمطية التلقي العادية بضرورة الحضور الشخصي إلى المقر، نعم قد تزيد التقنية من تقليص عدد الحضور القليل أصلا، لكن التعامي عن استخدام هذه التقنية لا يعني بالضرورة أن الحضور سيزداد. ترف غير ضروري ويرى المخرج المسرحي محمد ربيع أن قلة الحضور كارثة من إنتاج القائمين على الأندية أصلًا، مضيفًا: أغلبهم إلا من رحم ربي لا يلقي بالًا للأمسية إلا عندما يحضرها مثله مثل أي واحد من الضيوف، وكان الأحرى بكل القائمين على الأندية ممن يتلقى مالًا مقابل قيامه على النادي أن يهتم بالأمسية وبالدعاية لها وبإيصال خبرها وما يتعلق بها منذ لحظة إقرارها، دون الاكتفاء برسائل الجوال أو بالحضور ضيفًا يلوك براطمه على مقربة من منصة الأمسية. أما النقل الإلكتروني فهو مسألة أخرى، لن يقوم النقل مقام الحضور ولن يجزي عنه وإلا فما فائدة القاعة والمبنى! وما قيمة أمسية حضورها من القلة بمكان! بل أرى أن الاهتمام بالنقل الإلكتروني وإهمال الحضور ماهو إلا ترف لا ضرورة له لكنه يغدو أجمل إن آزره حضور فاعل وكبير.