التكنولوجيا الرقمية هي إحدى تلك الوسائل التقنية التي ظهرت وانتشرت مشكلة ملمحاً من ملامح العصر وأصبح حضورها طاغياً ولها أسهامها الواضح في تطور الكثير من مجالات الحياة وأبواب العلم وحاجات البشر وأصبحت استعمالات وتطبيقات الواقع الافتراضي في حياتنا أكثر من أن تعد في عجالة سريعة ومقال عابر كهذا لكنه من المعلوم والمؤكد أنه لا يوجد في حياتنا مجال إلا ويعتمد بشكل أو بآخر على التقنية وتبعاً لذلك ظهرت لنا مصطلحات متعددة لم نكن نعرفها من قبل وإستخدامات لم تكن موجودة بل إنها أوجدت واقعاً غير الواقع الذي نعيشه اليوم فلدينا (الواقع الحقيقي- الواقع الافتراضي - الواقع المتوقع). ترى بعد هذ الانتشار الواسع للواقع الافتراضي والخائلية هل يمكننا أن نستفيد منهما أدبياً وكيف يمكن أن نفيد منه في المجالات الثقافية ومامدى إمكانية استغلاله كوسيط في المجالات الثقافية والأدبية بعد أن شاع استخدامه في مجالات متعددة جداً (علمية وطبية واستخراج النفط والتدرب على الملاحة الجوية والمؤتمرات العلمية الافتراضية - الملاحة البحرية - محاكاة العمليات الصناعية - محاكاة الظروف الطبيعية والجيولوجية - محاكاة أحوال الطقسفي برامج الأرصاد الجوية التصاميم الهندسية)، بل إن الواقع الافتراضي دخل كل منزل من خلال البلاي ستيشن وألعاب الفيديو وغيرهما من المجالات التي تعتبر من الاستخدامات قليلة النفعية والأهمية للمجتمعات فهي تهتم بالترفيه أكثر من أي أمر آخر. ولكون هذا المصطلح (الواقع الافتراضي) جديداً علينا كمجتمع فمن المهم أن يكون هنا محاولة لتبسيط المصطلح وتفكيكه لكي يصبح قريباً من الإفهام كما أنه سيكون هناك تعريج على كيفية الإفادة من هذا الواقع في المجالات الأدبية والثقافية. الواقع الافتراضي هو (مصطلح يستخدم للتعبير عن استخدام التكنولوجيا الرقمية في محاكاة الواقع من أجل تحقيق أهداف بعينها) وقد يكون هذا الواقع حقيقياً كما هو الحال مع الكثيرمن المواقع والمنتديات المنتشرة وقد يكون الموقع وهمياً وخيالياً كما في هو الحال في بعض المعارض والمتاحف والمسارح العلمية ومنها مسرح (موجار العلمي) بأمريكا والذي يستخدم أحدث تقنيات العرض والتصوير بعرض الصور على شاشات مقببة بارتفاع خمسة طوابق مما يجعل المشاهد يشعر وكأنه يرى هذه الصورة بنفسه في الطبيعة ويجعل المشاهد يعيش تجربة (أنت موجود هناك). فيما يرى البعض أن مصطلح الواقع الافتراضي (virtaal.reality) يطلق للتعبير عن استخدام التكنولوجيا الرقمية لمحاكاة الواقع فقط مثل مباريات كرة القدم في ألعاب البلاي ستيشن وما شابهها من الألعاب التي تشبه إلى حد بعيد الواقع الحقيقي الغريب حقاً في هذا الموضوع أن فكرة محاكاة الواقع موجودة تاريخياً منذ زمن بعيد ومستعملة لأغراض مختلفة من قبل أن تظهر التكنولوجيا الرقمية والحواسيب من خلال الرسومات التوضيحية البسيطة ونحوها من محاولات نقل الواقع وتجسيده بشكل مبسط حتى تم اكتشاف التكنولوجيا الرقمية فأصبح المجال واسعاً والتطبيقات متعددة جداً. ومن أشهر وسائل الواقع الافتراضي (شاشات العرض) بمختلف أنواعها وهناك ميزة توفرها تلك الشاشات للمشاهد يعتمد على حقيقة علمية هي أنها تملأ مجال الرؤية البصرية للمشاهده فتمنحه شعوراً بالاندماج الكامل مع المشاهد أو ما يعرف بالانغماس في الأحداث المعروضة بحيث يفقد القدرة في لحظة معينة على التفريق بين ما هو حقيقي وما تعرضه الشاشة. وهذه الحالة التي تخلقها شاشة العرض تفيد كثيراً ويمكن تطبيق هذا الواقع الافتراضي في المجال الأدبي من خلال استخدامه لكسر حاجز الخوف لدى الشعراء وكتاب القصة المبتدئين ومن الممكن أن تستفيد منها لجان تنمية المواهب في الأندية الأدبية وفي المدارس عن طريق المكلفين بالإشراف على الأنشطة الثقافية، حيث يوجد بعض المبتدئين الذين يملكون الموهبة الخلاّقة ويعانون في ذات الوقت من حالة من الرهاب الاجتماعي وعدم القدرة على مواجهة الجمهور وباستخدام هذه التقنية يمكن أن يتغلبوا تدريجياً على هذه المشكلة بأن تأتي الصورة على شكل شاشة عرض وعليها عدد كبير من الجمهور ويلقي الشاعر أو القاص نصوصه على هذا الجمهور الافتراضي ومع التكرار سيجد المبتدئ نفسه قد تجاوز إشكالية الخجل والرهاب الاجتماعي وعدم القدرة على مواجهة الجمهور وهذه التقنية معمول بها في وحدات المعالجة النفسية للرهاب والآلام في كثير من الدول. ومن وسائل العرض المهمة الأخرى نظارات العرض الإلكترونية، حيث تكون هناك شاشة صغيرة على كل عين من عيني المشاهد وتتيح رؤية ثلاثية الأبعاد وذلك عن طريق عرض المشهد على كل عين بانزياح بسيط أو انحراف بسيط بين الصورة المعروضة على العين اليمنى والصورة المعروضة على العين اليسرى وهو ما يجعل الرؤية بهذه النظارات رؤية مجسمة ذات عمق أو بعبارة آخرى أد ق (رؤية ثلاثية الأبعاد). وهذا يستلزم بناء حجرات أو غرف مصغرة متطورة لتدريب الشعراء أو القاصين أو الإذاعيين ومقدمي البرامج في المجالات الأدبية ومن يتطلب الأمر منهم مواجهة الجمهور لتدريبهم على كيفية الإلقاء وحركة الجسد والإيماءات ورفع الصوت وخفضه وهناك الكثير من المبدعين يكتبون نصوصاً ممتازة يقتلها ضعف التوصيل والإلقاء للجمهور بسبب الخجل مما يجعل النصوص أقل جمالاً مما لو تم إلقاؤها بأسلوب آخر أكثر تفاعلاً مع النص وما يمنع الملقي من أن يتفاعل مع نصه هو شعوره بالخجل فيلقي نصه على وتيرة واحدة دون مراعاة لمقتضيات النص وما يتطلبه النص من تنويع وحركة وتجسيد. ولا يقتصر هذا الدور للواقع الافتراضي على التدريب للمبتدئين في المجالات الأدبية، بل يتعداه إلى خلق واقع آخر للنصوص من خلال استخدام تقنيات شاشات العروض كأحد تطبيقات الواقع الافتراضي وذلك برفد النصوص بالمشاهد المناسبة والأصوات والجرافيكس والفلاشات التي تعطي بعداً للنص يجعل المتلقي يندمج مع النصوص بشكل كبير وتكون عامل جذب نحو النص وقد يأتي اليوم الذي يأتي الشاعر أو القاص محملاً نصوصه على جهاز الحاسب المحمول وملقياً نصوصه على الجمهور بمصاحبة تلك المؤثرات الصوتية والبصرية مما يعطي النص بعداً آخر غير الإلقاء. وقد بدأ بالفعل بعض أرباب الأدب في تطبيق تقنيات الواقع الافتراضي والإفادة منه في خلق نصوص أدبية تستخدم الواقع الافتراضي وتطبيقاته على شكل روايات تستخدم فيها مؤثّرات بصرية وصوتية وفلاشات مناسبة ومنها رواية للأديب الأردني (محمد سناجلة) عضو اتحاد الكتاب العرب وبعض الأمسيات التي أحياها (محمد حبيبي) باستخدام شاشات العرض مما يجعل النص الأدبي ليس مجرد مادة مكتوبة أو ملقاه شفهياً، بل مادة يصاحبها مؤثّرات عدة تجعل النص أكثر جمالاً وتجبر المتلقي على الاندماج مع النص لاحتوائها على مؤثرات متنوعة متى ما تم توظيفها لخدمة النص بشكل احترافي لأنها تؤدي إلى حدوث اندماج كامل للمشاهد مع النص وتمنح المشاهد هذا الشعور تجاه النص. وقد يأتي يوم تكون النشاطات الأدبية المنبرية افتراضية ومادة محفوظة على أقراص صلبة يمكن اقتناؤها من محلات الفيديو وألعاب البلاي ستيشن كما هو الحال مع مباريات كرة القدم وسباقات السيارات حالياً بحيث يتم اقتناء شريط بلاي ستيشن عليه مادة أدبية (شعر- قصة - خاطرة) لشعراء وأدباء يمثلون أدباء الواقع كما هو الحال مع لاعبي كرة القدم فيما الجمهور افتراضي والمتلقي الحقيقي يشاهد عبر الشاشة مجريات هذا النشاط الافتراضي الأدبي ويتفاعل معه، بل يختار نوع الأمسية وفرسانها والنصوص المقدمة كما هو الحال في مباريات كرة القدم الإلكترونية وبالتأكيد أن هذا التوجه يجب أن يكون هو الرؤية القادمة للجهات الراعية للثقافة لكون هذا الأسلوب يتقاطع مع ثقافة الجيل الرقمية والتقنية وإذا كان هناك توجه جاد لاستقطابهم فمن المهم أن نحترم هذا الميل نحو التقنية الحديثة ونحو التكنولوجيا الرقمية وسيكون هذا عاملاً مساعداً نحو تقريبهم من مرافئ الأدب ونشاطاته ومنابره والأمر ليس صعباً، بل هو متاح جداً، فشركات الإنتاج تستطيع أن تنجز مثل هذه الأشرطة وما يمنعها فقط هو خوفها من أن لا تحظى بالرواج الذي تحظى به مباريات كرة القدم الإلكترونية وإلا فإنها ستفعل وستنتج (نشاطات أدبية إلكترونية). هناك استخدامات أخرى ممكنة لهذا الواقع وخصوصاً في مجال التدريب على كتابة الأجناس الأدبية المختلفة (الشعر - القصة - الرواية - الخاطرة- وما سواها من الأجناس الأدبية) بأن يقوم المتلقي باقتناء المادة الأدبية المحملة على قرص صلب ويقوم باختيار الجنس الأدبي الذي يرغب فيه واسم المدرب الذي يرغب تلقي الدورة على يديه وبعد ذلك يتلقى التعليمات ويطبقها. ويمكن للأندية الأدبية وللمتحمسين من المعلمين إيجاد مواقع تحقق هذا الهدف وتفيد من هذا الواقع. وكذلك فإن الواقع الافتراضي من الممكن أن يستخدم في مجال التصميم لكونه أحد أكثر المجالات استفادة من تكنولوجيا الواقع الافتراضي. وتتيح هذه التقنية لدور النشر إمكانية أن تعرض تصاميم مختلفة للراغب في طباعة كتاب مثلاً عبر رحلات فيديو افتراضية توضح كامل صفحات الكتاب المراد طباعته وعدد صفحاته وشكله وتصاميمه وحجمه من مختلف الزوايا مما يتيح للمؤلف فرصة مشاهدة نسخة أولية من الكتاب مع إمكانية التعديل والحذف والإضافة كما يشاء ويقوم بالتنسيق واختيار الألوان عن بعد. حتى هذا اللحظة يظل هذا الذي أطرحة مجرد اقتراحات وتخمينات بالنسبة للمجال الأدبي لكنه ليس كذلك بالنسبة لمجالات أخرى ومنها الطب والملاحة الجوية والملاحة البحرية ومراكز الأرصاد ويعرف الجميع أن المجال الطبي قد أفاد من الواقع الافتراضي في إيجاد بديل لجسم الإنسان تجرى عليه تجارب وعمليات جراحية تستخدم فعلياً في تدريس التشريح فهل من الممكن أن نرى تطبيقات له في المجال الأدبي قريباً. قد يكون ذلك ممكناً جداً في ظل هذا الاهتمام المتزايد من قبل العالم المتقدم بمواضيع العالم الافتراضي والخائلية وتطبيقاتها وتوسيع مجالات التطبيق لها وهناك الكثير من البرامج التي من الممكن تطويرها لخدمة المجال الأدبي والثقافي وهي برامج موجودة حالياً ومعمول بها في مجالات أخرى ومنها : برنامج 3dستوديو للتجوال السينمائي - وبرنامج مايا 3d برنامج أوتو كاد وبرنامج أركيكاد وهي مستخدمة فعلياً في المجال العلمي ولكي تستخدم في المجال الأدبي تحتاج بعض التعديلات غير المتوفرة حالياً. وختاماً فإن تلك الموقع التفاعلية التي تتيح لنا فرصة تكوين علاقات وقراءة ما ينجزه الآخرون من مرتادي المواقع والتفاعل معها سلباً وإيجاباً هو في حد ذاته أحد تطبيقات الواقع الافتراضي والخائلية وشكلاً من أشكالهما المتوفرة.