نفى وزير الاقتصاد والتخطيط الدكتور محمد بن سليمان الجاسر أن يكون ارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي ارتباطًا سياسيًّا، قائلًا: إنه ارتباط مصلحي ويخدم الاقتصاد الوطني. وقال الجاسر في محاضرة له مساء أمس الأول بالجامعة الإسلامية حول «مستقبل الاقتصاد السعودي في ظل التنامي المضطرد للاقتصادات الناشئة: «إن الارتباط بالدولار ليس سياسيًا بل هو مصلحيّ، إذ ما زال اقتصادنا يعتمد على البترول، والبترول مسعر بالدولار لنا ولغيرنا حتى للأوربيين يسعرون بترولهم بالدولار، وبالتالي إذا كان أكثر دخل المملكة ووارداتها بالدولار، فإن هناك في الاقتصاد ما يسمى بالتحوط، فلو لم يكن لديك هذا التحوط فستضطر لدفع الملايين للدول الأجنبية من إجل هذا التحوط، وقد أعطانا الله هذا التحوط جاهزًا، مستدركًا أنه عندما تكون القاعدة الصناعية والإنتاجية والصادرات أكثر تنوعًا فلكل حادث حديث، ولكن أيضًا أريد أن أؤكد أن الارتباط بالدولار خدم اقتصادنا خدمة كبيرة، وأعتقد أن أي محلل موضوعي للوضع الاقتصادي في المملكة، والعملات ترتفع وتنزل، فلو ارتبطنا بأي عملة أخرى أو بأي سلة فسيكون الارتفاع والانخفاض مزعجًا، والمملكة جربت فكنا مرتبطين بسلة، وعانى الاقتصاد منها كثيرًا. عدد السكان وأكد الجاسر أن المملكة تمر بفترة لم تحدث في تاريخها ولا تتكرر كثيرًا في تاريخ الدول حيث يبلغ عدد السكان ممن هم في سن العمل أكثر من 61٪ مشددًا على أهمية الاستغلال الأمثل لهذه الميزة. وعبر الجاسر عن القلق حيال مشكلة التستر في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة حيث تتحول فرص العمل الناشئة عن ذلك النشاط لعمالة أجنبية غير شرعية مما يحرم المواطن من تلك الفرص بل ويحرم المجتمع من فرص تحول تلك المنشآت إلى شركات كبيرة قابلة للنمو والتطور ترفد النمو الاقتصادي الوطني.وبدأ الجاسر محاضرته التي حضرها عدد كبير من المسؤولين والمفكرين وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة وطلابها بالإشادة بعناية المملكة بالحرمين الشريفين وجعلهما من أولويات خطط التنمية، وقال: لقد تصدرت العناية بالأماكن المقدسة أولويات خطط التنمية مجسدة ما استهدفته الدولة في تطوير الحرمين الشريفين مما يوفر لقاصديهما أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة، وقد وجهت القيادة بأن تظل الرؤية المستقبلية للخدمات الدينية في المملكة مكرسة لخدمة الحرمين الشريفين، ورفع كفاءة تلك الخدمة بصورة دائمة بما ينسجم مع تعاليم وقيم ديننا السمحة. *الاقتصادات الناشئة وفي صلب موضوع المحاضرة أشار الدكتور الجاسر إلى بعض الملاحظات العامة على الاقتصادات الناشئة، موضحًا أن السنوات العشر الأولى من الألفية الثالثة بمثابة عقد رائع لتلك الاقتصادات حتى في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية وكان التوقع بأن تهيمن الاقتصادات الناشئة على ساحة الاقتصاد العالمي، وفي السنة الماضية تراجعت بعض أكبر تلك الاقتصادات ومعدلات نموها إلى النصف وما دونه، واليوم يتحدث بعض المحللين عن استمرار تباطؤ النمو في تلك الدول إلا أنني أرى أن هذه التوقعات لن تكون صحيحة. ويرى الجاسر أن الاقتصادات الناشئة ومنها اقتصاد المملكة ستحافظ على مكانتها اللائقة وليس أدل على ذلك من النظر إلى قائمة الدول العشرين التي تضم المملكة لندرك الدور المحوري الذي تقوم به المملكة اقتصاديًا. وعرج الجاسر على بعض أمثلة على نجاح أداء المملكة الاقتصادي في سياق خطط التنمية الخمسية ولخصها في أن القاعدة الاقتصادية أصبحت أكثر تنوعًا ويتجلى أحد مؤشرات ذلك في نسبة مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج الإجمالي المحلي فقد ارتفعت من 48.5٪ عام 1970م إلى 72.5٪ عام 2011م على الرغم من الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط عام 2011م. وهناك مؤشر آخر وهو نسبة قيمة صادرات السلع غير البترولية إلى قيمة الواردات السلعية غير البترولية في المملكة وقد سجلت هذه النسبة قيمًا لا تكاد تذكر خلال السبعينات، أما الآن فقد ارتفعت من 26.8٪ عام 2001م إلى 35.8٪. ويضاف إلى تلك المؤشرات أيضًا أن المملكة لم يكن لديها صناعة محلية لإنتاج الاسمنت في السبعينات، والآن فقد بلغ الإنتاج المحلي 24 مليون طن عام 2004م ليقفز إلى 62 مليون طن عام 2011م. كما أنه مع نهاية عام 2011 وهي السنة الثانية من الخطة التاسعة بلغ مجموع أطوال الطرق المعبدة حوالي 233 ألف كم ما بين طرق سريعة تربط المدن وطرق داخل المدينة، علاوة على 136 ألف كم من الطرق المعبدة، ومعروف أن المملكة مترامية الأطراف، كذلك ارتفع معدل العمر المتوقع عند الميلاد للمواطن السعودي من 53 سنة في أوائل السبعينات إلى 74 عام 2011م بفضل الله ثم بفضل تحسن الخدمات الصحية، مشيرًا إلى شواهد من نجاحات المملكة في الخدمات الصحية في التحصينات وانخفاض معدلات الوفاة وارتفاع عدد الأطباء في وزارة الصحة. وأورد الدكتور الجاسر في محاضرته لمحة عن بعض عناصر صناعة السياسات الاقتصادية وإدارتها في المملكة، موضحًا أن السياسة الاقتصادية لأي بلد تتضمن ثلاثة محاور رئيسة المحور المالي والنقدي والهيكلي، فوزارة المالية مدعومة بالمجلس الاقتصادي الأعلى تتولى مسؤولية إعداد وتنفيذ السياسة الاقتصادية من خلال ميزانية الدولة، حيث تنعم المملكة بمركز مالي مرموق بلغ فيه الإنفاق الحكومي أعلى مستوياته بينما تقلص الدين الحكومي من حوالي 100٪ من الدخل القومي عام 1999م إلى 4٪ الآن، كما أن لدينا احتياطي كبير من النقد الأجنبي وسيسهم هذا المركز في تخفيف أي انعكاسات محتملة لأي انخفاض محتمل في الإيرادات النفطية في المستقبل. *التنوع الاقتصادي واستعرض الدكتور الجاسر بعض التحديات التي تواجه المملكة في غضون السنوات العشر إلى العشرين المقبلة، فقد ظل تنويع القاعدة الاقتصادية هدفًا من أهداف الخطط الاقتصادية للمملكة منذ الثمانينات ولكن مفهوم التنويع قد تطور بمرور الوقت، ففي عام 1984م تركز مفهومه على التحول من الاعتماد على النفط الخام إلى زيادة قدرات تكرير النفط، وبعد التطور إلى التحول من الاعتماد على النفط المكرر والخام إلى تطوير منتجات بتروكيماوية ذات قيمة مضافة أعلى من النفط المكرر من عام 85-99م، وفي الوقت الحالي نشهد تطور مفهوم التنويع الذي يعني التحول من الاعتماد على القطاعات ذات الصلة بالنفط إلى الاعتماد على نشاط الصناعات التحويلية والخدمات ذات القيمة المضافة. وقال: إنه لا ينبغي لتلك الصناعات أن تهيمن عليها بالضرورة الشركات والمؤسسات الكبرى فالتجارب الدولية في هذا الصدد تشير إلى أنها ستعتمد على الشركات الصغيرة والمتوسطة. *مشكلة التستر وأعرب عن أنه يستشعر القلق على وجه الخصوص حيال مشكلة التستر في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة حيث تتحول فرص العمل الناشئة عن ذلك النشاط لعمالة أجنبية غير شرعية -ولا بأس هنا بالعمالة الأجنبية الشرعية- مما يحرم المواطن من تلك الفرص بل ويحرم المجتمع من فرص تحول تلك المنشآت إلى شركات كبيرة قابلة للنمو والتطور. وقال إن سبب ذكر تلك الإنجازات والجهود هو القناعة بأن هذا هو السبيل الوحيد الذي نضمن به أن يكون المواطن والاقتصادي ذو قدرة تنافسية عالمية.