انتقد المشاركون في ندوة «اليوم الوطني ومضامين الإعلام - وقفة للمراجعة» التي نظمتها هيئة الصحفيين السعوديين يوم أمس الأول بمقرها في الرياض اعتماد الإعلام على الجانب الوصفي في اليوم الوطني على نحو ممل، داعين إلى ضرورة التكامل بين الإعلاميين والمؤرخين لخدمة المعلومة التاريخية، مطالبين بألا يقتصر الابتهاج بهذا اليوم باعتباره مناسبة مهمة فقط بل يجب أن يتعامل معه الجميع كحدث تاريخي ووطني يقدم من خلاله العديد من المناشط والأفكار والرؤى وبما يرسخ مفهوم المواطنة الحقيقية والانتماء لدى فئات المجتمع بمختلف شرائحه، كما قدم المشاركون جملة من المقترحات للاحتفال بهذا اليوم مستقبلًا، ومن أبرز هذه المقترحات تخصيص شارع واسع لهذا الاحتفال. استهل الندوة الدكتور فهد السماري بورقة حملت عنوان «اليوم الوطني» جعل من سؤال: هل هذا المحتوى هو ما نريد ويخدم الوطن؟. منطلقًا للنقاش قائلًا: في الواقع بصفتنا مؤرخين لسنا راضين عن المحتوى الإعلامي من ناحية استخدام التاريخ فيه، والتقصير يعود إليهم كمؤرخين بالدرجة الأولى ثم الإعلاميين في الدرجة الثانية، مشيرًا إلى أننا كمجتمع نمر بمرحلة انتقالية في دراسة تاريخ المملكة العربية السعودية، ممتدحًا دور دارة الملك عبدالعزيز وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس ادارتها في حفظ تاريخ المملكة ونشره، لافتًا إلى ما شهدته الدارة من انتقال وتغير في أدائها والذي انطلق في عام 1417ه من خلال عدة مسارات أهمها الجانب التوثيقي الذي تم التركيز عليه خلال الخمسة عشر عامًا الماضية إدراكا منا بأن التوثيق هو الضمانة لتقديم المضمون الجيد سواء في الداخل او الخارج، كاشفًا عن ان الدارة على مشارف ان يكون المضمون جاهزًا ومقنعًا للوطن وابنائه ونتحمّل مسؤوليته ومسؤوليتنا مع الإعلاميين. وشدد الدكتور السماري على ضرورة التعامل مع هذا اليوم كحدث يحوي دروسا وعبرا تستفاد وثقافة تنشأ ليس كمناسبة عابرة وان يطرح التاريخ بطريقة جاذبة وغير تقليدية وتقربنا الى واقعنا وتاريخنا، مستعرضًا في ختام ورقته بعض السلبيات في التناول الإعلامي للأحداث التاريخية في اعتمادها الجانب الوصفي الممل وكذلك ربط البعض الولاء بمشاكله الخاصة مطالبًا الإعلام بالتنبه لها مؤكدًا على ان الوطن يبقى فوق كل اعتبار شخصي. واستدرك قائلًا: من حقك ان تطالب وتعبر عن وجهة نظرك لكن ينبغي الا يربط هذا بولائك لوطنك. وخلصت الورقة الى ضرورة التكامل بين الإعلاميين والمؤرخين لخدمة المعلومة التاريخية. بعدها القى عضو مجلس الشورى سابقًا الدكتور إحسان علي بو حليقة ورقته التي استهلها بالشعور بالتقصير تجاه هذه المناسبة العزيزة التي تظهر كما يجب من خلال بعض الممارسات السلبية من إغلاق شوارع وغيرها من أعمال غير منضبطة وأحداث لوّنت الذاكرة الجمعية عبر الوسائل الإعلامية المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، لافتًا الى أن الاهتمام بهذا الحدث يجب ان يكون منهجيًا عميقًا عبر إعداد مؤسسي مسبق سواء كانت عروضا او مناسبات وتوظيف طاقات الشباب بطريقة ايجابية في الأعوام القادمة وبطريقة منضبطة.. بعدها انتقل إلى الحالة الاقتصادية في المملكة معتبرًا أن فترة منتصف الأربعينيات شهدت مخططًا استراتيجيًا تنمويًا هو الأكبر طموحًا في المملكة وما زلنا نعمل على تحقيقه الى الآن من خلال رؤية عميقة للمؤسس- طيب الله ثراه- الذي استعان بعناصر عربية واجنبية بعد ان بدأت لديه الهواجس التنموية كالاتصالات وشبكة الطرق وسكة الحديد التي كان طموحه ان تمتد من الخليج الى البحر الأحمر.. ثم انتقلت الورقة الى النقطة البترولية التي اوضح الدكتور بو حليقة ان المملكة صاغت سياسة استراتيجية تتمثل في ضمان استمرار إمدادات قوية لسوق العاملية يضمن التوازن بين العرض والطلب وعدم الركون الى البترول وما تختزنه من احتياطات، لافتًا الى ان هذه الاستراتيجية التي صيغت في الستينيات ما زال معمولًا بها حتى الآن فيما اعتمدت في السبعينيات على التنويع الاقتصادي التي يتجاوز عمرها الأربعين عامًا وضعت لبناتها الأساسية مع تأسيس الهيئة الملكية بالجبيل وينبع وتأسيس سابك. أعقبه الدكتور خالد بن ابراهيم العواد والمتخصص في علم اجتماع التنظيم بورقة طرح فيها عدة تساؤلات حول الإعلام سواء التقليدي او الحديث وانصراف الشباب الى الأخير والذي تشكل في صورة وصفها بالانفتاحية العالية جدًا التي انعكست على روح الشباب وسماته مشيرًا الى وجود حراك كبير جدًا لدى الشباب مع هذا الإعلام سواء كونه متلقيًا او متفاعلًا عادًا اياها قضية مهمة لها انعكاساتها التي يجب النظر لها انتقل بعدها الى موضوع الوطن في اذهان الشباب مشيرًا الى انه يوجد إشكال والتباس في ذهن الشاب بين مفهوم الوطنية وبين مفهوم المواطنة لم يحرره الكبار موضحًا ان الوطنية شعور ينسحب على الجميع وطالب بإعطاء الشباب الفرصة للفرح بهذا اليوم وإن ظهرت نتوءات وممارسات في يوم الوطن اثارت حنق البعض، لافتًا الى وجود اختلال في معنى هذا اليوم لدى البعض ومعناه وشرعيته وغيرها من اشكالات مطالبًا بعقد ندوات وورش لمناقشة ما حدث لتوحيد الصورة الذهنية لدى الجميع حوله. ثم استعرضت الورقة شخصية الشاب السعودي والى اين تتجّه وخلص فيها الى ان الشباب الراهن يعيش ظروفًا حياتية افضل من السابقين بكثير وكذلك انفتاحيته ابرز عن سابقيه من خلال اكتسابه مهارات تفكير وتواصل ومعلومات. ونوه العواد الى ضرورة اجراء دراسات وبحوث حول مشاكل الشباب وقضاياه والنظر الى زوايا اخرى لظروفهم بعيدًا عن النظرة السلبية تجاه شبابنا مدللًا على ايجابية هؤلاء الشباب بإقبالهم على التخصصات العلمية الصعبة ادراكًا منهم بأنهم يجب ان يتكونوا بالشكل الصحيح. وختم العواد ورقته بضرورة ان يرعى هذا اليوم جهة رسمية، عادًا دارة الملك عبدالعزيز هي الجهة الأجدر برعايته سيما وان هذا اليوم بلا راعِ حيث يسهم فيه كلّ بطريقته وبطريقة تشهد تضاربًا في التنفيذ. اما ورقة مدير عام قناة العرب الإخبارية جمال خاشقجي فقد ركزت على كيفية تعامل الإعلاميين مع اليوم الوطني ولفت فيها الى وجود مشكلة حول هوية هذا اليوم وعدم معرفة كيفية الاحتفال به ورأت الورقة ان الطريق الأسلم للاحتفال ينطلق من منحيين رئيسيين الأول التاريخ فهذا يوم تاريخي. واضاف: ان التناولات الإعلامية تركز فقط على الإنجازات في حين ان التركيز يجب ان يكون على شخصية المؤسس وجهوده العظيمة في التأسيس وما صاحبها من حروب وظروف رغم اعتقاد البعض ان هذا التناول قد يفتح مواجع. وأضاف خاشقجي: من قال ان تاريخنا به مواجع .. إن الحروب التي حدثت لم تكن بين شعوب وانما بين رجل اراد توحيد الجزيرة وحكام محليين غير متحمسين لهذه الفكرة وبالتالي يدافعون عن مصالحهم والدليل انهم بعد ان دانت الأمور للملك عبدالعزيز انضووا تحت رايته طائعين اما الجانب الآخر الذي يجب ان يركز عليه الإعلام هو المفاهيم الكبرى كالوحدة الوطنية وما تفرضه من تعددية وطبيعة الحكم والمشاركة الشعبية. ومضى خاشقجي قائلًا: ان الإعلام للأسف عبر وسائلة المختلفة اقتصر على ترديد الأهازيج وتلقي الاتصالات ولم ألحظ اهتمامًا بالجانب التاريخي فضلًا عن حالة الجهل لدى بعض بتواريخ مهمة تتعلق ببلادنا الحبيبة. مختتمًا ورقته باقتراح تضمن تخصيص شارع واسع لهذا الاحتفال تتخلله مسيرة واستعراض يبدأ بموسيقى الجيش تتبعه مجموعة من أفراد الحرس الوطني او الكليات العسكرية وكل تتبارى في كيفية الظهور امام الناس المنتشرين على جنبات الطريق وافساح المجال امام طلبة المدارس والهيئات في تقديم استعراضات واشكال مستوحاة من تاريخ هذه البلاد. بعدها قدمت الباحثة والكاتبة رقيه الهويريني ورقة توقفت فيها عند عنوان الندوة «وقفة مراجعة» معتبرة ان اليوم الوطني ليس للفرح فقط كما اشار من سبقها في الندوة وانما يوم للتقويم والمراجعة ومضت الهويريني قائلة: ان المواطن الآن اصبح متطلبًا وهو اكثر وعيًا من ذي قبل ومن ثم فإن التقييم يجب ان يتم على جميع المستويات سواء الوزارات ماذا قدمت للمواطن وكذلك المواطن ماذا قدم لوطنه. وحملت الكاتبة الهويريني وزارة التربية والتعليم ما يصدر من الطلبة من سلوكيات في الشوارع نتاج هذا التعليم الذي انتج لنا طلابا لا مبالين واستهلاكيين. واضافت:ان من يتابع ويرصد ما يكتبه الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي يلحظ سلبية هؤلاء الشباب وعقدهم لمقارنات ومطالبات تصل الى حد المقايضة اذ يقايض الشباب على وطنيتهم بما يؤكد أن لدينا امية في المواطنة. اما الورقة الأخيرة فقد قدمتها الكاتبة الصحفية بينة الملحم تلخصت حول الإعلام الجديد وتمحورت في ثلاثة محاور الإعلام الجديد والشباب والمواطنة واستعرضت من خلالها آخر الأرقام والإحصاءات خصوصًا ما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصًا «تويتر» واكدت الملحم ان هذا الإعلام لم يعد مجرد وقت يقضيه المرء للتسلية فيما هو يشكل وعي الناس وحياتهم.