في أعمال الفنانة فاطمة النمر ثمّة رغبة جامحة للتخلّص من الشكل الواقعي سواء كان جسدًا أم تكوينًا مكانيًا؛ وكأنها تحاول إشراك أشكالها وتكويناتها في شعرية التجريد المفتوح على تأويلات مطلقة، فالفنانة تعيش زمنًا يشتبك فيه كل شيء إلى درجة ضاعت فيه الروح الإنسانية وسط دوامة المكننة والأرقام مما دفع بالفنانة إلى الاحتماء بالروح الداخلية من خلال حرية تتعايش معها بصمت مع خاماتها وأدواتها وأساليب تفاعلها مع السطح التصويري، فتارة تضع أشكالها وسط فضاء غامق يتجانس فيه الجسد الأزرق مع الرمادي أو الأسود، وتارة تترك حرية يدها وفرشاتها تعبث بمسطح اللوحة تاركة خطوطها وعلامتها وسيولة اللون تتحدث عن نفسها، فهي مغرمة بالكثافات والتضاريس لأنها توحي أكثر مما تصف وهذا ديدن الفن والجمال، فقيمته تكمن في السر الذي يدفعنا إلى التأويل ومعايشة الخيال. فالواقع والحقائق الحسية لا تمنحنا المتعة والسعادة قدر متعة الخيال والرؤية محققة قول الفلاسفة (حقيقة الحلم أصدق من حقيقة الواقع)، وهذا بلا شك يتطلب شجاعة ومغامرة مع النفس والحياة والفن. في رسوم فاطمة ثمّة خصام مستمر مع العقل وتصالح تام مع طاقته الروحية وعاطفتها وهذا ما رأيته في صراع أشكالها وألوانها وحفريات مساحاتها الكثيفة على الكانفاس، الأزرق نقيض الأسود ولكن في لوحاتها ثمة تعايش في رمزية هذه الألوان لا أدري لماذا تذكرني أعمالها بأشعار محمود درويش فكلاهما محاولة للخلاص من المحدد إلى اللامحدود ومن المتناهي إلى اللامتناهي وصولاً إلى المطلق الروحي الذي تنشده الفنانة.