* رغم تحفظاتي الكثيرة على مسلسل (عمر) إلا أنني أستطيع القول بقناعة وثقة أنه كان عملًا إيجابيًا يستحق الإشادة، وتجربة مفيدة تستوجب المعاودة والتكرار.. فلو لم يكن لهذا العمل من إيجابيات إلا تغيير الصورة الذهنية المغلوطة عن الفاروق عند بعض أبناء الطوائف العربية، واستبدالها ولو بجزء يسير من حكمته وعدله ورحمته وقوته في الحق، من خلال دراما احترافية، جذبت الشباب بلغتها البصرية فائقة الحبكة أولًا.. ثم بلغتها الحوارية الرائعة التي أعادت للكثير منهم ثقته في هويته ولغته وتاريخه.. أقول لو لم يكن للعمل إلا هذا لكفاه شرفاً. * نحن -أيها السادة- نعيش عصر الصورة بكل مميزاته وعيوبه، فهو النسق الثقافي السائد في أوساط الشباب، ومن الخطأ أن نبقى أمة مستهلكة نتلقف ما تلقي به إلينا الأمم الأخرى، ثم نتحدث عن ثقافة الصورة كشر مطلق ورجس من عمل الشيطان لا يجوز الخوض فيه ولو للمنافحة والذود عن حياض نبينا وصحابته الأجلاء.. أو حتى لتحسين الصورة النمطية البشعة التي كرسها الإعلام الغربي في أذهان كل شعوب الأرض عن العربي الإرهابي الشهواني المتوحش! * لن أتحدث عن فيلم (فتنة) الهولندي فهو فيلم عنصري لمخرج شاذ، لكنني سأنقل لكم جزءا من كتاب (العرب الأشرار) للدكتور (جاك شاهين) أستاذ الإعلام بجامعة إيلينوي الذي يقول: «إنه من خلال مشاهدته لأكثر من ألف فيلم، لاحظ أن هوليود تظهر العرب بصورة عنصرية بشعة.. فهم إما برابرة أغبياء، أو أثرياء عشاقٌ للجنس، أو قتلةٌ وإرهابيون».. ويضيف: «إن تشويه صورة العرب يجعل كراهيتهم وقتلهم أسهل كثيرا».. ويتفق معه (ريتشارد شيكل) من مجلة (تايم) حين يقول: «لقد تحولت هوليود إلى العرب ليلعبوا دور الشرير في الأفلام بعد انهيار الاتحاد السوفيتي».. كما يذهب عضو الكونجرس السابق (بول فندلي) في كتابه (لا سكوت بعد اليوم) إلى أن «معظم الأمريكيين يستمدون تصوراتهم عن العرب من صور مزيفة تظهرها أفلام».. مضيفًا: «إنه بسبب إحجام العرب عن تصحيح هذه الصورة اعتبرهم الغرب قوة متخلفة». * ما تفعله الصورة في دقائق تعجز عن فعله آلاف الكتب والمجلدات ولعل عدم تعاطف الرأي العام الغربي مع قضايانا، يعود في جزء كبير منه إلى الصورة التي رسختها هوليوود –بأموال يهودية - في الوعي واللاوعي الجمعي لتلك المجتمعات.. ولك أن تعجب إن علمت أن حوالي 80% من الأمريكيين يعتقدون أن الفلسطينيين هم من يحتلون إسرائيل وليس العكس! * المفارقة المؤسفة أن المحاولات القليلة جدًا التي يحاول فيها المال العربي إنتاج أعمال فنية تظهر الوجه الجميل لتاريخنا العربي والإسلامي تُعارض من الداخل كما حدث لمسلسل عمر وأفلام الراحل مصطفى العقاد.. بينما لا يتحرك العرب لمواجهة أفلام الرقص والمخدرات والمثلية أو أفلام العنصرية التي تصوّر العربي كنموذج للشر والجريمة والغباء. * فهل سيبقى العرب أشرارًا طالما بقوا أمة مستهلكة في عصر الصورة، تعيش على فتات أعمال الترك والفرس والغرب.. وسيزداد أبناؤنا تيهًا وتشتتًا طالما بقينا نعتقد أن الأبواب الجديدة يمكن فتحها بمفاتيح القلاع القديمة! [email protected] [email protected]