بعيدًا عن الجدل القائم حول مسلسل "عُمَر"، وبغض النّظر عن اختلاف الآراء الشرعية حول جواز عَرضه من عدَمه، يبدو أن هذا المسلسل يحظى بمتابعة كثير من المُشاهدين، واهتمام عدد كبير من المُتابعين، فقد كفلت له النقاشات الحادة حوله قبل عَرضه، دِعاية مجانية، وتشويقا لامثيل له، من وجهة نظري. من الواضح حجم الجُهد المبذول في المسلسل، وإخراجه بشكل مُتْقَن، وهو - في رأيي - عملٌ مِهني رفيع، وتُحفة فنية، يندُر أن يجود بها الإنتاج العربي الدّرامي، كما يَجمع في طيّاته بين احترام عقل المشاهد، والاقتراب من قلبه، وعوامل الإبداع التمثيلي، من إتقان أداء، وبراعة حِوار، وجمال تصوير، وحَبكة إخراج، وتناسبِ الموسيقا التصويرية مع المَشَاهِد والأحداث، التي تناولت حقبة تاريخية مِفصلية، وتسرُد قصة تُلامس مشاعر المسلمين، وتُعيد إلى الأذهان أحداث فيلم "الرسالة"، الذي بلغت شهرته أرجاء العالم، على الرّغم من كثرة العَقَبات التي اعترضت إنتاجه وتصويره وعرضه. ويؤكّد هذا العمل الدّرامي، على حقيقة أن الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، ليس هواية صِبيانية، أو تجربة تتهدّدها عواملُ الفشل، فلم يعد بالإمكان الاستخفاف بعقول المُشاهدين في المجتمعات العربية، أو تجاهل حسِّهم الفني وذوقهم الإنساني، وتقديم وجبة فنّية غير مُستساغة، أو أعمالٍ سَمِجة، تهزأ من وعيهم الدّرامي، وتُشعرهم بالإحباط والغُبن، كما يُعيد هذا الإنتاج الأمل في نفوس المشاهدين العرب، للاستمتاع بأعمال تهتم بِلُغة التواصل السليم بين العمل الفني والُمشاهد، وتخطب وُدّ الجمهور، وتُقنعهم بِجديّة التنفيذ والأداء. من هذا المنطلق، أرى أن تهتمّ المجتمعات العربية بإنتاج مزيد من المسلسلات والأفلام الدرامية بشكل احترافي، في سعيها للحفاظ على تراثها وهُوِّيتها، وطرح قضاياها، ومعالجة مشكلاتها، ومخاطبة العالم بِلُغة فنيّة مُشتركة، وأن تنظر إلى الإنتاج الفنّي، بوصفه صناعة قائمة بذاتها، تُنشئُ من أجلها المعاهد الفنية، والكُلّيات الثقافية، وتَرصُد لها الميزانيات الكبيرة، وتَبني لها الاستديوهات الضخمة، وتُوفِّر لها الخبرات البشرية والإمكانيات التقنية، للتحفيز على الإبداع الفِكري والترفيهي، ونشرِ رسائل ثقافية وأخلاقية أصيلة، والمشاركة في بناء أجيال تتذوق الفن الرفيع، وتَعي معاني الأدب، بأسلوب شيّق وجذّاب. [email protected] [email protected]