كثيرون هم الذين ضعف فكرهم وقصر نظرهم عن النقد المتوازن والنقاش الموضوعي، في قضايا مثيرة للجدل، وموضوعات تتعدد فيها وجهات النظر، فهم شديدو التعصّب لآرائهم الشخصية، مما يحدّ من قدراتهم على احترام وجهات النظر المغايرة، فضلا عن تفهّمها. مشكلة بعض الناس، أنّهم تربّوا في بيئة اجتماعية ذات أفق ضيق، لا تشجّع على تكوين انطباع شخصي، فضلا عن إبدائه، ولا تسمح للفرد بإمعان النّظر في الثقافات السائدة، كما نشأ آخرون في مُجتمعات جامدة فكريا، تفنّنت في أساليب التسلّط على الآخرين، واعتمدت وسائل تعليمية وتربوية أهملت إثراء النقاش، وثقافة التفاهم والإقناع بالحُسنى. لذلك دأَب بعض النّاس على التربّص بأفكار وتصرفات غيرهم، والضّيق ذرعاً بمن يطرح رؤية جديدة، أو فكرة مبتكرة، أو يناقش مشكلة عامة، فيأخذون الاختلاف على مَحمل شخصي، ويَعمَدون إلى الحمْل على صاحب الرأي، والنّيل من شكله أو عِرقه أو مرجعيته، في محاولة لصرف الناس عن حُجّته، بالصوت العالي، والرّد الغليظ. وقد يَسخر بعضهم من أذواق الآخرين، لعدم موافقتهم إيّاهم في هذه العادة أو تلك، على الرّغم من عدم إضرار غيرهم بالذوق العام أو تعدّيهم على الأنظمة، ولا مُخالفتهم لتعاليم الإسلام الصالحة لكل زمان ومكان. ومما لفَت الانتباه إلى هذه المُشكلة الثقافية، فَتْح المجال لمشاركات القُرّاء في مواقع الصُّحف المطبوعة والإلكترونية، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وارتفاع سقف الحُريّات الإعلامية، وهذا شيء جيّد ومطلوب، يُساعد على اتساع مساحة المشاركة الشعبية، ويُسهم في رصد الرأي العام، ونشر ثقافة التعايش المُجتمعي. لكني أرى أن كثيرا من التعليقات والردود تحتاج إلى تهذيب، فهي ماتزال دون مستوى النقاش البنّاء، بعيدة عن ردّ الحُجّة بالحُجّة، وبعضها يُجافي التجرّد والموضوعية، و لاتَخلو من نبرات عُنف وحِدّة، وتعميم غير مقبول، وفرْضٍ مُنفّرٍ للرأي، ناهيك عن سُخرية وتهكّم شخصي، أو سبّ وشتم، واتهامات في قوالب جاهزة، على الرغم من أنّ أي مقال أو تعليق، لايعدو كونه وجهة نظر شخصية، عُرضة للقبول أو الرفض، والصواب والخطأ، دون إفساد وُدّ، أو إساءة أدب. [email protected] [email protected]