يشعر المتأمل في سلوكيات معظم الأفراد في المجتمعات الغربية المعاصرة، بالعلاقة التوافقية بين الأفراد ومجتمعهم، إذ تنضبط أخلاقهم تجاه غيرهم في نسق جماعي جميل، وتندرج تحت نظام سلوكي واع يضمن حسن تصرفهم بطريقة سليمة، قد يكون فيها شيء من التكلف أحيانا، لكن أداء تلك السلوكيات يتحول إلى عادة في ظل استحسان الناس لها، وتربية أجيالهم عليها. إن أهم ما يحفز على انضباط السلوك العام في تلك المجتمعات: احترام المجتمع آدمية الفرد، واعترافه بحقه في حياة كريمة حرة، قيدها حدود حرية الآخرين. ولاشك في أن وضع القوانين الملزمة للجميع وتحديدها بوضوح وتنفيذها بصرامة؛ بغية حماية الأنفس والممتلكات ومعاقبة المقصر في واجباته، يشجع الفرد على احترام حدوده الاجتماعية، ويجنبه وغيره تبعات الاستهتار السلوكي في الدوائر الحكومية والمستشفيات والشوارع وأماكن العمل. ونتيجة الاتفاق على كثير من السلوكيات الحميدة في المجتمعات المتقدمة يمكن دون عناء الإشارة إلى قليل الأدب وصاحب الذوق المنخفض وفضح المخالف للأنظمة؛ لتسببه في جرح السلوك العام وخروجه عن منظومة المجتمع السوية. ويمكن لمن يريد التعرف على إحدى الماسي السلوكية نتيجة تدهور التصرفات العامة، الاطلاع على مشهد هزلي درامي، انتشر حديثا من خلال موقع «يوتيوب»، صورته كاميرا أحد المواطنين السعوديين لمجموعة من الناس وهم يتهافتون بجد واجتهاد ونشاط عجيب، على التقاط كراتين وعبوات مشروب «فيمتو»، تناثرت على جانب أحد الطرق السريعة نتيجة حادث لشاحنة كانت تحمل أعدادا كبيرة منها، في مشهد قد لا يثير حفيظة بعضهم، لكنه دون شك يحكي واقعا محزنا ومنفرا. تخيلوا معي، فقط تخيلوا، درجة تمسك الفرد بفضائل الأخلاقيات الإسلامية وأدبيات السلوك الإنساني ومدى امتنانه لانتمائه إلى مجتمعه، واحترامه الحقيقي للأنظمة الإدارية والاجتماعية، عند قدرة تلك الأنظمة دون استثناء على بيان جميع حقوقه المشروعة، فضلا عن حمايتها والحفاظ على كرامته الإنسانية وتوفير وسائل تربوية أخلاقية وإنسانية كريمة، إضافة إلى تحقيق معاني العدل الفئوي ومعاقبة الفاسدين وردع المستهترين دون النظر إلى اعتبارات شخصية أو اجتماعية أو إدارية أخرى. [email protected]