أتاح الإنترنت فرصة كبيرة للتعبير عن الآراء بكل حرية دون أي قيود، وهذه الحقيقة فتحت المجال للكثير من المرتادين للمواقع الإلكترونية والمنتديات للتفاعل وإبداء الرأي على جميع المواد والأخبار التي تنشر، وهذا إثر مبدأ تلك التفاعلية، وعكس جوانب من تفكير الأفراد والمجتمع؛ غير أننا نجد أنّ العديد من التعليقات والآراء كتبت لا لتنتقد بموضوعية وحياد، ولكن لتصب جام حقدها وشماتتها على مضمون المادة المنشورة حتى باتت تلك الأقلام تكتب من الشماتة موضوعا إثر موضوع وتعقيبا يتبعه آخر، ولا تقرأ سوى الشماتة ولا غيرها؛ فهناك دوماً من يرمي عقده في تعليقات شامتة ومغرضة لا يقوى عليها إلا إنسان عديم المشاعر الإنسانية، ومن خلال هذا التحقيق نناقش أسباب ودوافع سلبية تلك التعليقات الشامتة وكيف يمكن معالجتها. الأتيكيت الإلكتروني في البداية تحدث "د.فايز الشهري" - أستاذ الصحافة الإليكترونية والكاتب والباحث في استخدامات المعلوماتية- قائلاً: "لا ينبغي على الإنسان أن يقول كل شيء دون قيود؛ لأن أثمن ما في الحرية هي القيود التي يصنعها من يعيشها ضمن حدود الخلق والدين، ففي الحديث الشريف:(كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)، وعند العرب مثل "رب كلمة تقول لصاحبها دعني"، ومشكلة الإنترنت الواضحة أمامنا اليوم هي رواج القصص والشائعات؛ لأنّ الكثير من رواد الانترنت يتفاعلون مع الأحداث ومنهم من يحدثون بكل ما يسمعون دون تثبت، وكثيراً ما نجد بعض التعليقات الالكترونية التفاعلية على ما ينشر عن الأحداث والأخبار لا تخلو من شماتة ومن تعصب ومن انعدام في الذوق الخاص والعام، ولعل السبب أن الانترنت لم يعد وسيلة النخبة والراشدين وحدهم، ومن جهة أخرى يبدو أن انفعالات الناس أمام شاشة الحاسب لا يردعها إلا خُلق عظيم أو عقوبة صارمة ولهذا وبسبب ضعف وغياب هذين العنصرين في بعض مناشط الفضاء الالكتروني؛ ظهرت هذه المظاهر السلوكية التي تحتاج الى دورات وثقافة في "الاتيكيت الالكتروني". «حرية الرأي» لا تعني «الكذب» على الآخرين و«ترويج» الشائعات و«تأبين» الذوق العام! أزمة قيَم وأكد "الشهري" على أنّ "الشماتة الالكترونية" ماهي الإ نمط سلوكي يدل على أزمة قيم عند بعض مستخدمي الانترنت، وربما مع الزمن تقل حدة هذه المشاحنات واللغة العنيفة والتنابز بالألقاب بعد أن تروض تطبيقات الانترنت جماح بعض الثائرين على كل شيء؛ فهناك تفاؤل من أن التشبع من فضاء الحرية الالكتروني سيؤدي إلى التخفيف من الاحتقان الفكري والاجتماعي، وسنرى هدوءاً في السنوات المقبلة، خاصة مع انتظام التشريعات وارتفاع مستوى الوعي العام باستخدامات التقنية، مشيراً إلى أنّ هذه السلوكيات تحتاج إلى مادة بحث علمي لمعرفة مكامن الخلل في التنشئة الاجتماعية وأيضاً لرصد الأخطاء الإدارية إن كان هناك موجبات لبعض التعليقات السلبية، والمهم أيضاً أن لا نتوسع في مفهوم رفض الرأي الساخط ولو علت نبرته فلعله يكشف عن مكامن ضعف أو فساد ويساعد المخطط والمسؤول على تصحيح الأوضاع. الشماتة على النت تؤذي الآخرين وتكشف مستوى الوعي الاجتماعي مسؤولية القضايا وأوضح أنّ هناك نوعين من المسؤولية،هما: المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية القانونية، أما المسؤولية الأخلاقية في مثل هذه القضايا فتقع بلا شك على الفرد والمجتمع الذي أنتج الثقافة السلوكية السلبية، وعلاجها هي أن يقوم المجتمع بدوره التقليدي في التنشئة الاجتماعية السليمة، أما المسؤولية القانونية فبلا شك تتوزع على الموقع الناشر وعلى مسؤولية من كتب هذه المواد إذا أمكن تحديده ومعرفة هويته وهي محل إشكال آخر، مشيراً إلى أنّ القوانين هي القوانين سواء في الفضاء الطبيعي أوالافتراضي، ولكن من المهم نشر التوعية قبل تطبيق القوانين كون الانترنت وفد إلى المجتمعات العربية دون تهيئة وأصبحت تعيش خارج السيطرة الأخلاقية والقانونية إلى حد كبير. ثقافة الشماتة وفي هذا السياق تحدثت "د.عائشة الحكمي" – من جامعة تبوك –، وقالت: إنّ الكتابة من وراء الأسوار الإلكترونية؛ أتاحت مساحات واسعة لأقلام موهوبة في التعليقات الساخرة للسخرية ذاتها وليس للإصلاح؛ لأنّ القلم المتزن يمتلك رؤية ورسالة بهدف تكوين آراء ورسائل إيجابية مع الآخرين تحدث تغييراً، لكن الكتابة المعنية في هذا التحقيق من النوع الذي نتج عن هوس التعلق بالحاسب والانترنت لا يجيد كاتبها سوى الحوار في صمت وعزلة، مؤكدةً على أنّ الحوار بهذه الصورة يتسم بالسلبية الإنسانية لأنّ التواصل الإنساني يكاد يكون مفقوداً والجفاء هو الأبرز حضوراً، وصاحب الكلمات الشامتة تربى قلمه وفكره على النمط نفسه؛ فأنتج أسلوباً مماثلاً، وأحياناً تمثل تلك التعليقات مباريات يعرضون فيها مهاراتهم اللاذعة بهدف حيازة بعض كلمات الإطراء. أنصاف المتعلمين وأوردت "د.الحكمي" سبب تنامي مثل هذا النوع من الكتابة إلى أنصاف المتعلمين والعاطلين عن العمل؛ بدليل عدم استقامة الحروف والكلمات والعبارات يطلق عباراته على أية صورة ؛المهم تصل بسرعة تحدث عنده بعض التشفي بالآخرين والحصول على ردة فعل سريعة أي يميل إلى أسلوب تأجيج المواقف؛ لذلك يطارد المضمون ووقعه على الطرف الآخر؛ إذاً هي نوع من الهجوم والغزو المتستر مثله مثل "البلاستيشن" يحرراللاعب من التوتر ويحقق له المتعة وهو في مكانه، والعاطلون لا يجدون شيئاً ينفسون به عن كبواتهم إلا إطلاق ردة فعلهم تجاه واقعهم غير الراضين عنه. د.أحمد الحريري سلوك خفافيش الظلام ويوضح "د.أحمد الحريري" -الباحث في الشؤون النفسية والاجتماعية -أنّ الشماتة الالكترونية أمر غير مقبول لا من الناحية الدينية ولا من الناحية الاجتماعية والأخلاقية، معتبراً ذلك مؤشراً على افتقاد من يمارس هذه الأساليب لكثير من أبجديات الاحترام والتقدير، وهو مؤشر آخر لجوانب قد تكون غير سوية في شخصيته قد تكون اضطرابات الشخصية أولها وافتقار اللياقة واللباقة الاجتماعية أبرز أعراضها، ومما يدل على ذلك السلوك غير السوي تخفّي الممارسين له خلف أسماء مستعارة أو كنى مجهولة لعلمهم الأكيد بعدم سوية هذا السلوك الذي يسميه البعض سلوك خفافيش الظلام. علاج الظاهرة وأضاف: "بالتأكيد لا يمكن اعتبار ذلك من حرية الرأي ولا يعتبر من الحرية الشخصية، بل هو تعد على حريات الآخرين ومصادرة آرائهم، ومحاولة ممارسة أساليب عدوانية وأفكار غير سوية بطريقة خفية تدل على الجبن الأدبي وفساد القصد وسوء السلوك، ولا يمكن علاج هذه الظاهرة إلا من خلال مراقبة أصحاب المواقع لمواقعهم الالكترونية كي تبقى معطرة من هؤلاء الأشخاص وأهمية مراقبة التعليقات في الصحف والمواقع الإلكترونية للتعليقات غير الاًمسؤولة حتى تبقى منابر محترمة لا تحتفي إلا بالمحترمين، داعياً إلى تعلم أسلوب النقد البناء الذي لا يكيل بمكيالين ولا يستخدم ألفاظ نابية وأساليب جارحة ووصوفات يتعدى بها على الشخوص، وينتقل من التعليق على موضوع إلى شخصنة هذا الموضوع أي التعدي على شخص الكاتب بدلا من نقد رأي الكاتب كما يجب أن نضبط انفعالاتنا بطريقة ترفع من قدرنا لدى الآخرين وتحافظ على هدوئنا الأدبي والأخلاقي. د.فايز الشهري الشماتة في الرياضة ويشير الأستاذ "فياض الشمري" – كاتب صحفي – أنّ الشماتة الموجودة في التعليقات والآراء تعكس خلقاً غير سوي وموجودة منذ القدم، ولكن الانترنت تكفل بإيصالها في أسرع وقت، ومع الأسف أن الوسط الرياضي مليء باللغة الهابطة ومن أشخاص يفترض أن يكونوا قدوة، ومصدرها التعصب الذي يعاني منه الكثير، ويرفع من الوتيرة عندما يتعرض فريق معين الى خسارة أو فقدان بطولة على يد النادي المنافس إما عن جدارة أو نتيجة خطأ تحكيمي غير متعمد، والكثير من الجماهير وحتى بعض مسؤولي وشرفيي الأندية يعاني من الضدية تجاه الآخرين، خصوصاً الذين يختلف معهم لذلك فهو يفرغ شحنات غضبه وكرهه للطرف الآخر بعبارات مرفوضة عبر الانترنت وردود لا يمكن أن تعكس التربية السوية والرقابة الذاتية، وللأسف أن هناك من هو في الأندية يكتب بأسماء مستعارة ويسب عباد الله بسبب أنهم لا يتفقون معه في الميول، وإذا ما تعثر فريقهم فإنه يحتفل ويوزع الرسائل على أكبر قدر ممكن للشماتة، فضلا عن بث النكت المؤذية. دور الكتاب وشدد "الشمري" على أهمية دور الكتاب والصحفيين من خلال تهذيب روح قرائهم والارتقاء بمستواهم ووعيهم، وهذا يأتي من طريقة تعاطي الكاتب مع الأحداث، فهناك مع الأسف من يسكب الزيت على النار بأطروحات تغذي التعصب، وهناك من تكون حروفه أشبه بالمحاضرة التوعوية لغاياته السليمة، كما أن دور الكاتب يتوقف عن شرح مخاطر مثل هذه الأشياء والمطالبة بالروح الرياضية تطبيقا لمبدأ "تواضع عند الفوز وابتسم عند الخسارة" ومن ثم يأتي فهم القارئ ورقابته الذاتية وماهو المطلوب وكيف يعبر عن آرائه وإيصال وجهة نظر بالحجة المقنعة بعيداً عن الانتهازية والشماتة. مشاعر سلبية ويشاركنا في هذا التحقيق الأستاذ "محمد العجمي" – مدير شبكة منتديات جامعة تبوك – قائلاً: "نشاهد يومياً عددا كبيرا من التعليقات الشامتة والباحثة عن السخرية والاستهزاء ليس فقط في المواقع الصحفية والمنتديات، ولكن حتى من قبل طلبة وطالبات جامعيين في المنتديات الجامعية تحديداً؛ فكل ما يهم هؤلاء هو تفريغ ما بداخلهم من مشاعر سلبية ضد إدارة الجامعة، أو أعضاء هيئة التدريس بأي أسلوب كان، حتى وإن حمل التعليق أو الرد بعض العبارات السوقية وبطبيعة الحال يعود هذا الأمر إلى القصور بالتفكير والثقافة وعدم تطوير الذات سواء بحضور دورات أو محاضرات أو حتى كتب ترتقي بمستوى تفكير الشخص والاستفادة من تجارب الآخرين سوى في نقد هادف".